ليس مستغرباً أن يتنفس اللبنانيون الصعداء، بعد الرد الإسرائيلي المنتظر على إيران، لأنه جاء في إطار السيناريو الأميركي لإحتواء التصعيد بين طهران وتل أبيب، وتجنب إنزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة.
من الواضح أن إلتزام الطرفان، الإيراني والإسرائيلي، بتفاصيل السيناريو الأميركي، كان مطلقاً، وعلى جانب كبير من الدقة، تجلت عبر التجاوب الكبير مع النقاط التالية:
١ـ إلتزام تل أبيب بعدم التعرض للمنشآت النووية والمراكز النفطية.
٢ـ حصر الضربات بأهداف عسكرية ثانوية، وتجنب إيقاع خسائر بشرية بين العسكريين والمدنيين على السواء.
٣ـ إبلاغ طهران مسبقاً بموعد الضربات، والمواقع التي ستستهدفها، وذلك عبر الولايات المتحدة التي أشرف البنتاغون فيها على وضع تفاصيل الضربة الإسرائيلية.
٤ـ مسارعة تل أبيب إلى الإعلان بأن الرد إنتهى بمجرد عودة الطائرات من العملية العسكرية في الأجواء الإيرانية.
٥ـ تجاوب طهران الفوري مع الطلبات الأميركية بإعلان عدم الرد على الغارات الإسرائيلية، وإعتبار عمليات تبادل الضربات منتهية عند هذا التصعيد، رغم بعض التصريحات الإيرانية التقليدية ب» الإحتفاظ بحق الرد في الوقت المناسب».
ولعل النقطة الأخيرة هي السبب الأساس لموجة الإرتياح التي عمت أوساط اللبنانيين القلقين من تداعيات إستمرار الحرب في بلدهم فترة طويلة. إذ تبين أن نجاح واشنطن في تهدئة المواجهة بين إيران والكيان الصهيوني، من شأنه أن يساعد على تبريد الجبهة في لبنان، وإعادة فتح باب المفاوضات حول الصفقة في غزة، وصولاً إلى الحديث عن التسوية الكبرى في المنطقة، الأمر الذي من شأنه إنعاش آمال إنهاء الحرب سريعاً، وربما خلال إسبوعين أو ثلاثة في لبنان على أبعد تقدير، في حال لم تقتحم الواقع الراهن مفاجآت في الميدان، تعطل المسار الديبلوماسي.
الكلام عن قرب إنهاء الحرب الإسرائيلية في لبنان يعود إلي الضغوط الأميركية بعدم الذهاب بعيداً في العمليات الجوية، بعدما حققت الضربات الكبيرة والمتتالية ضد حزب لله الأهداف منها في القضاء على القيادة السياسية والعسكرية للحزب، إضافة للغارات المستمرة في مختلف المناطق بحجة ضرب مخازن الصواريخ والسلاح والذخيرة، والقضاء على البنية العسكرية للحزب.
يُضاف إلى كل ذلك، أن الخسائر الفادحة بالعتيد والعتاد، التي مني بها العدو الإسرائيلي في المعارك الحدودية، دفعت القيادة العسكرية، للعودة إلى «النصائح» الأميركية، بعدم القيام بحملة برية في لبنان، تجنباً لكلفتها العالية بالخسائر البشرية والعسكرية.
ويبدو أن خريطة الطريق التي وضعها الرئيس نبيه برّي مع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، ستكون على طاولة المباحثات في تل أبيب خلال الزيارة الحالية للموفد الأميركي، وعمادها إعادة تعويم القرار الأممي ١٧٠١، والإلتزام بتطبيقه، بكل مندرجاته، خاصة بالنسبة لتعزيز وضع الجيش اللبناني جنوب الليطاني، وحصر وجود السلاح في المنطقة يالسلطة الشرعية، وقوات اليونيفيل الدولية. ومقررات مؤتمر باريس الأخير بتخصيص ٢٠٠مليون دولار للجيش، تساعد على تسريع خطوات تطويع ثلاثة آلاف جندي فوراً في المرحلة الأولى، وتأمين السلاح المناسب للمهمات الجدّية الجديدة في المنطقة الحدودية. الأمر الذي من شأنه أن يساعد على تسهيل عودة أهالي القرى الحدودية إلى مناطقهم، وإطلاق ورشة إعادة الإعمار ، عبر المساعدات المتوقعة من الأشقاء والأصدقاء، بمجرد إنتخاب رئيس الجمهورية التوافقي، وتشكيل الحكومة العتيدة.
وقف إطلاق النار قد يتم في الفترة الفاصلة عن الإنتخابات الأميركية، تجاوباً من نتنياهو مع إدارة البيت الأبيض، التي تحاول إسكات المدافع قبل موعد الإنتخابات الرئاسية في الرابع من تشرين المقبل، ولو من باب التقدير للدعم غير المسبوق الذي قدمه بايدن للدولة العبرية منذ إندلاع الحرب على غزة.
ولكن تفاصيل تطبيق وقف النار وتنفيذ بنود القرار ١٧٠١ هي التي ستوضع على مشرحة المناقشات والمماحكات، وتستغرق عدة جلسات من البحث والتدقيق، والتي تتطلب موقفاً لبنانياً موحداً وصلباً، بخلاف ما شاهدناه إثر إعلان الرئيس نجيب ميقاتي البيان الثلاثي من عين التينة، حيث عمدت بعض الأطراف السياسية إلى التشويش على مضمون البيان، والغمز من قناة أصحابه، بأسلوب أظهر الإنقسامات اللبنانية بأبشع صورها، رغم الحاجة الوطنية الضرورية لإبراز الجبهة الدخلية أكثر توحداً وأشد صلابة، بمواجهة العدوان التدميري.
إلتزام كل من إيران وإسرائيل بالسيناريو الأميركي لإنهاء مرحلة الضربات المتبادلة، أعد المسرح لرفع الستار عن مفاوضات التسوية الكبرى في المنطقة، على خلفية المتغيرات السريعة في الإقليم، وإعتماد طهران لإستراتيجية الإمام الخامنئي الجديدة، والتي لخصها بالكلمات التالية: تراجع تكتيكي إلى الوراء يكون بمثابة خطوة إلى الأمام.
فهل تكون هذه الإستراتيجية مدخل الواقعية السياسية الجديدة للنظام الإيراني
في التعاطي مع مشاكل المنطقة، ويكون لبنان في طليعة المستفيدين من نتائجها؟