تكاد حياة اللبنانيين بازماتها المختلفة تستنسخ نفسها، لتدور دورة كاملة قبل ان تعود الى الصفر، لولا خرق بسيط من هنا وتصعيد مضبوط من هناك.فما اشبه اليوم بامس السنة الماضية، تيار وطني حر يلوّح بتطيير الحكومة وقلب طاولتها على خلفية التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، ونفايات تهدد باجتياح الشوارع مجددا ،في تكرار لواقع 2015 المأساوي.
واذا كان التصعيد العوني لدى تأجيل التسريح الثاني، توقّف عند حدود التظاهر في محيط السراي وتعطيل عجلات الحكومة لأشهر، من دون أن يصل الى حد الاستقالة منها أو نسفها، فإن الانظار تتجه اليوم الى اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان، وسط الحديث المتصاعد عن «توطين مبطن» في زمن الاوضاع الاقليمية الضبابية بتسوياتها وتصعيدها، والذي سيكون محط نقاش على هامش الاجتماع السنوي للهيئة العامة للامم المتحدة في نيويورك، والتي سيشارك فيها وزير الخارجية جبران باسيل.
واذا كان البعض قرأ في التأجيل رسالة سلبية تعكس تراجع لبنان الى اسفل سلم اولويات الدول الكبرى او حتى خروجه منها بعدما تقدمت الازمات الاقليمية صدارة المشهد والاهتمامات، فان اوساطا دبلوماسية متابعة قللت من أهمية تأجيل اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان الذي كان مزمعاً عقده في ايلول مبدئيا، موضحة أن «قرار التأجيل» جاء بناء على اقتراح من فرنسا كونها صاحبة المبادرة، خصوصا ان امر تحديد الموعد والتاريخ كانا تركا للاتصالات التي ستجري على هامش اجتماع نيويورك الاممي، عازية السبب الى رغبة باريس وبيروت المشتركة بان تكون الاجتماعات ناجحة وان يشارك فيها اكبرر عدد ممكن من الاعضاء، خشية ان يضيع الملف في معمعتها فلا يستوفي حقه من الاهتمام والدعم، خصوصا ان تجربة العام الماضي لم تكن مشجعة بحيث غاب عن المؤتمر وزراء بارزون من الدول الكبرى، امر ما كان ليحصل بسبب انهماك معظم الدول بالتحضير للإجتماعات الأساسية للأمم المتحدة و«بزحمة» اللقاءات الهامشية بين الوفود في الامم المتحدة.
وإذ أوضحت الاوساط نفسها ان الرئيس تمام سلام يتابع بشكل دائم مع سفراء «المجموعة « السبل الآيلة لإنجاح الإجتماع، أكدت أن «المشروع» ما زال حيوياً والإهتمام به الى أقصى الحدود، رافضة الحديث في هذا الاطار عن تراجع الحماسة الدولية تجاه لبنان، اذ هدف التأجيل الخروج بمبادرات وتوصيات وقرارات جديدة تصبّ في المصلحة اللبنانية ، حيث حرص الجهات المعنية على تحقيق الصدى الايجابي المطلوب.
في هذا الاطار اشارت مصادر سياسية متابعة الى ان العاصمة الفرنسية ستشهد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات لتحديد الموعد النهائي للمؤتمر، مرجحة عقده في باريس قبل نهاية العام الحالي، استنادا الى التطورات الدولية بحيث تنتقي اللحظة الاكثر ملاءمة ليحصد لبنان الدعم الكافي خلافا للمؤتمرات السابقة التي بقيت في معظمها حبرا على ورق، دون أن تتوقّع أرقاماً منه، موضحة أن هناك دولاً من خارج «مجموعة الدعم» تلعب دوراً اساسياً في سياسة لبنان، وبالتالي الأهم هو وجود قرار سياسي على المستوى الدولي لحلحلة المعضلات القائمة، امنيا، اقتصاديا ،تنمويا،وفي ملف اللاجئين السوريين،
وتكشف المصادر ان ملف الارهاب وتداعياته على دول اوروبا والغرب وحركة النزوح السوري في اتجاه دول الجوار ومضاعفاتها على اوروبا قد يشكلان اطارا عاما لملف النزوح واعبائه، خصوصا ان عددا من الدول الاعضاء في المجموعة يجري اتصالات مع لبنان لدرس ملفات ومشاريع في شكل ثنائي انما تحت خيمة المجموعة ووفق الدراسات التي اعدتها منظمات دولية حول لبنان الذي يتحمل عبئا هائلا جراء نزوح السوريين الى اراضيه مما انعكس سلباً على اوضاعه في مختلف القطاعات.
من جهتها، أفادت المصادر ان وزارة الخارجية هي المعنية الاولى بحشد المجتمع الدولي لمساعدة لبنان على تحمل اعباء ايواء العدد الاكبر من النازحين السوريين مع التشديد على رفض لبنان اي حل سياسي يستثني عودة النازحين الامنة الى ديارهم مع رفض التوطين، مع العلم ان الامم المتحدة حاولت التخفيف من وطأه التقرير بالقول ان القوانين المحلية في كل بلد، لا سيما لبنان، تطغى على اي توجه عالمي، وبالتالي فإن الامم المتحدة لن تقرر اي امر لا تقبله حكومة وشعب الدولة المعنية. تبرير اذا صح، ينطبق فقط على مسألة التجنيس بينما لبنان يرفض ايضا أي شكل من البقاء الطويل للسوريين في لبنان، مبدية تخوفها من عبارة «العودة الطوعية» التي فرضتها الامم المتحدة وتنصلت من طلب لبنان ادراج العودة الامنة على مراحل، وهذا ما سيثيره باسيل الذي يتوجه الى المجتمع الدولي بخطاب حازم حول ما يعتبر تهديدا لهوية وكيان لبنان.
وبحسب المعلومات المتوافرة ، فإن الاجتماعات الجارية حول ازمة النزوح ستخرج بحل هو استيعاب نازحين مقيمين في لبنان في بلدان اخرى وتوطينهم فيها، كون الامل في عودتهم الى سوريا يبدو بعيدا، حيث تستعد الولايات المتحدة الى ادخال الدول الراغبة بتجنيس سوريين في اطار معاييرها الخاصة بالتجنيس التي تتغنى بكونها الافضل في العالم حيث كل من تم قبولهم للهجرة اليها منذ احداث 11 ايلول لم يقدم اي منهم على اي عمل مخل بالامن ومصنف في دائرة الارهاب. طرح يأتي في ظل تساؤل حول ما سيكون عليه الاستقرار العالمي وأمن الدول من خطر متزايد، اذا بقي العالم مكتوف اليدين ولم يلجأ الى توطين مزيد من اللاجئين، لأن التوطين يقلل بشكل روتيني العواقب المحتملة على مجموعة صغيرة من البلدان التي تتحمل حصة غير متكافئة من اكلاف الأزمة.