فقط بضعة أسطر كانت كافية لتلقي الضوء على نية وموقف الولايات المتحدة الأميركية من التعاون مع الحكومة اللبنانية الجديدة. ومع أن حزب الله يشارك في الحكومة منذ سنوات غير قليلة، فإن مشاركته هذه السنة، تتخذ طابعاً خاصاً وأبعاداً مختلفة أقلّه في نظر الولايات المتحدة الأميركية والحلفاء الذين تمون عليهم في عواصم إقليمية ودولية.
ومع أنّ الكلمات التي أدلى بها نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط دايڤيد سترفيلد من على منبر وزارة الخارجية والمغتربين كانت محدودة إلاّ أنها كانت كافية لتوجه رسالة الى من يعنيهم الأمر في لبنان.
فالسيّد الأميركي تحدّث كمن يلقي موعظة، وكمن يعطي توجيهاً فقد قال: «إن لبنان أصبحت له حكومة جديدة تتخذ قرارات حساسة تتعلق باقتصاد البلد ومكافحة الفساد وبالمسائل الأمنية». وأكد أن «الولايات المتحدة الأميركية ملتزمة مع لبنان بشكل كبير وتود أن تراه يتقدم ويواجه خياراته وسيتم التعامل، من قبلنا ومن قبل دول أخرى، بحسب الطريقة التي سيتبنى من خلالها لبنان هذه الخيارات، التي نأمل أن تكون إيجابية لمصلحة لبنان وشعبه وليس لصالح أطراف خارجية».
وتضمن الكلام دروساً ونصائح للجانب اللبناني معترفاً بأن الحكومة اللبنانية أمامها «قرارات حساسة» ستتخذها حصرها في ثلاثة عناوين رئيسة: الاقتصاد والفساد والأمن. إلاّ أن التزام واشنطن «مع لبنان بشكل كبير» سيكون بحسب الطريقة التي ستُبنى من خلالها هذه الخيارات. ولكي لا يبقى الكلام في العموميات حدد سترفيلد كيف يجب أن «تكون الخيارات» «لمصلحة لبنان وشعبه وليس لصالح أطراف خارجية». والإشارة واضحة ولا تحتاج إلى الكثير من التمحيص لالتقاطها. فبالإضافة الى الإشارة الى «الجهات الخارجية» كان واضحاً أن رسالة سترفيلد الى المسؤولين هي: لا تتكلوا علينا في دعم دائم… إنما هو دعم على القطعة. تلتزمون نلتزم معكم، لا تلتزمون … فلا تنتظروا منا دعماً.
هذا الديبلوماسي المحترف يعرف لبنان والمنطقة معرفة عن قرب. وهو كان سفيراً للولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان بين أيلول 1998 وحزيران 2001… وأولته واشنطن مسؤوليات ديبلوماسية كبيرة في المنطقة بحيث صار خبيراً في شؤونها وشجونها، ولربّـما كان له غير دور وفعالية في ما سُجّل من شؤون وشجون في غير بلد عربي. ابن الــ65 عاماً (من مواليد 18 كانون الأول 1954) عمل على نطاق واسع في بلدان الخليج العربي ولبنان وسوريا والعراق، وتسنّم مراكز مهمة في مجلس الأمن القومي وفي دوائر الشؤون العربية- الإسرائيلية… ويُقال عنه إنه يعرف المسؤولين (قدامى وجدداً) بأسمائهم في بلدان عدة في المنطقة، وأن اتصالاته، من مكتبه في واشنطن، بالمسؤولين المحليين (وبغير المسؤولين كذلك) في لبنان وسواه تكاد تكون يومية وهو بنى شبكة علاقات واسعة، كما أنه استعدى كثيرين.
سقنا المعلومات أعلاه عن هذا الديبلوماسي المحترف لنقول إنه عندما ينقل موقف بلده فإنما يحمل كلامه حداً مرتفعاً من الجدية التي يصنفها البعض عندنا بأنها ناجمة عن حرصٍ على لبنان فيما يصنفها آخرون (وكثر) بأنها تدخّل في الشؤون اللبنانية الداخلية.