تنظيم داعش كان نجم المواضيع في موسم الخطابة في نيويورك هذا الخريف، كما كان الرئيس باراك اوباما نجم الخطباء. ولا أحد يعرف الى أي حد يستطيع اوباما ان يحافظ في الحرب ضد داعش على السلاح الذي وصفه رئيس الوزراء البريطاني بانه الصبر والاصرار. فهو خرج من الدائرة التي حبس نفسه فيها، واعاد لأميركا بعض ما فقدته من دور. وهو يعترف اليوم بأن الاستخبارات الاميركية أخطأت بالمبالغة في تقدير قوة الجيش العراقي وفي تقليل قوة داعش.
وليس خارج المألوف ان تبدو المقاعد في قاعة الجمعية العمومية للأمم المتحدة شبه خالية عندما يخطب ممثلو دول ضعيفة، لكن ما ليس مألوفاً ان تبدو المقاعد كذلك خلال خطاب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وما ليس عادياً ان تجد ايران بين اعضاء التحالف الاقليمي والدولي بقيادة اميركا من يطالب بدعوتها الى المشاركة في الحرب على داعش، من دون ان تسمع روسيا دعوات مماثلة. فهل خسرت روسيا بما فعلته في اوكرانيا بعض الدور الدولي الذي استعادته عبر موقفها في حرب سوريا؟ وما الذي حدث لنجومية الرئيس بوتين قبل عام وللدور المؤثر الذي لعبه لافروف في جنيف – ١ وجنيف – ٢ والتفاهم مع وزير الخارجية الاميركي جون كيري على ملف السلاح الكيماوي السوري؟
مفهوم ان الغرب استفز روسيا في أوكرانيا بعد سلسلة من الاستفزازات في اقتراب حلف الناتو من حديقتها الخلفية. لكن موسكو بالغت في الذهاب الى أبعد من استعادة شبه جزيرة القرم، وفي السخرية من العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب. فلا تناسب في الحرب الاقتصادية ضمن الحرب الباردة الجديدة. ولا بد في السياسة من العودة الى نوع من المشاركة.
ذلك ان الخلاف بين أميركا وروسيا ليس على محاربة الارهاب بل على من يربح في سوريا بعد تدمير داعش. فالحرب الطويلة التي أعلنها أوباما هي في النهاية حرب من أجل التوصل الى حلّ سياسي. وهي حرب مقسمة، بطبائع الأمور، الى مراحل، بصرف النظر عن النظرات الضيّقة في المنطقة والحسابات اليومية السريعة للغارات الجوية وما فعلته وتفعله: من مرحلة ضرب داعش بالتدرج الى مرحلة بناء قوة معتدلة تقاتل على الأرض وتأخذ مكان داعش، وصولاً الى مرحلة توازن الضعف الذي يقود الى تسوية سياسية بأكثر من توازن القوى. وضمن هذا السيناريو، فان إبعاد روسيا عن المشاركة في المرحلة الأولى حتمي. والعودة الى دورها كشريك في مرحلة التسوية حتمية أيضاً.