هل أصبحت كلمة المخطط الصهيوني ـ الاميركي، كلمة نلفظها كالببغاء، او كلمة نرددها بصورة تلقائية، ام ان هنالك مخططاً صهيونياً ـ اميركياً حقيقياً يدمر منطقتنا لمصلحة اسرائيل ولمصلحة المصالح الاميركية ويقسم العالم العربي، خصوصاً المشرق العربي المحيط بفلسطين المحتلة؟
الجواب ان كثيرين باتوا يقولون انكم تتكلمون دائماً عن مخطط اميركي ـ صهيوني في كل شاردة وواردة، لكن الواقع هو غير ذلك تماماً، هو ان هنالك مخططاً اميركياً ـ صهيونياً ـ اوروبياً بدأ في العشرينات وتم تنفيذه ضد بلادنا وضد العالم العربي وادى الى تقسيم المنطقة الى كيانات والان الى فيدراليات ودويلات صغيرة.
بدءاً من فلسطين المحتلة ووعد بلفور ومعاهدة سايكس بيكو، فلنصل الى المرحلة الحالية. ولدينا امامنا مثلٌ حي، هو الغاء دولة العراق وفق مخطط اميركي ـ صهيوني جرى تنفيذه، ولم يجف الحبر على الورق بعد، ولم تجف دماء شهدائنا، وما زالت الدماء تسيل في العراق انهراً وأنهراً نتيجة المخطط الصهيوني ـ الاميركي.
حصلت حوادث 11 ايلول 2001 في الولايات المتحدة، وكتب مدير المخابرات الاميركية جورج تنت كتابه بانه تم الطلب اليه بالكذب، وبأنه فور حصول 11 ايلول 2001، وفي اول اجتماع عمل، قال له اليهودي ادوارد ستيوارت مساعد وزير الدفاع الاميركي رامس فيلد، انه يجب ضرب العراق، وان جورج تنت مدير المخابرات الاميركية، اصيب بالصدمة نتيجة كلام رامس فيلد، بأنه لم يكن للعراق اي علاقة بالامر، بل كانت كل معلومات المخابرات الاميركية تتركز على افغانستان. ثم كتب وزير الخارجية الاميركي كولن باول مذكراته، وقال انه تم الطلب اليه الكذب امام مجلس الامن الدولي من اجل الشهادة بأن لدى العراق اسلحة دمار شامل، وتم اختلاق صور من الاقمار الصناعية كاذبة وملفقة لتبرير ضرب العراق من دون سبب حقيقي.
كل ذلك لان اسرائيل لا تستطيع احتلال العراق وضربه. ولان للعراق جيشاً كبيراً ومساحة واسعة، خططت اسرائيل عبر الجيش الاميركي الضخم لضربه وتقسيمه والغائه كدولة موجودة على الخارطة الجغرافية.
سنة 2003 هاجم الجيش الاميركي العراق ودمره بكل انواع الغارات والقنابل والصواريخ، بشكل خارج على القانون الدولي وعلى قرار مجلس الامن. وحتى لم تستطع الولايات المتحدة تأمين 9 اصوات في مجلس الامن الدولي لتبرير حربها على العراق. ومع ذلك شنت اميركا الحرب على العراق، وقتل من الشعب العراقي 800 الف نسمة. وتم تشريد سبعة ملايين نسمة، وازيلت طوائف كما هي، خاصة الاقليات المسيحية والاشورية والاكادية التي هي في تاريخ العراق. وذلك لان تعاليم التوراة التي يعتنقها الصهاينة تقضي بإزالة كل شيء من حضارة ما بين النهرين، وصولاً حتى يومنا هذا على يد داعش الصهيونية التي اخترعتها الوهابية والمخابرات الاميركية. وتكمل داعش تدمير حضارة ما بين النهرين بنسف كل اثار العراق التاريخية، والتي يزيد عمرها عن اربعة الاف سنة وخمسة الاف سنة.
بدأ المخطط في العراق بتقسيم منطقة كردستان واعطاء الاكراد منطقة لهم في كردستان، ورويداً رويداً نشأت دولة كردستان واصبحت عاصمتها اربيل. ثم لاحقا بدأ الجنوب الشيعي يستقل في البصرة، وانسحب البريطانيون من هناك، وتركوا منطقة شيعية كاملة لها مقومات الدولة، فيما تركز كل التخريب على بغداد لتقسيمها بين شيعي وسني. وقامت الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل بإذكاء نار الفتنة السنية ـ الشيعية في العراق، والتي لها اساس بسبب حكم صدام حسين السني لشيعة العراق واضطهاده لهم، لكن لم يكن هذا سبباً لقيام دولة شيعية وتدمير بغداد وتفجير السيارات وقتل العشرات يومياً.
اما في المرحلة الحالية، فقد انفضح المخطط، عندما تقدم الكونغرس الاميركي بمشروع اقامة دولة كردية ودولة شيعية ودولة سنية، وبتخصيص موازنة عسكرية تذهب الى الاكراد مباشرة، وتذهب الى السنة مباشرة، وتذهب الى الشيعة مباشرة، دون المرور بالحكومة المركزية، وباعلان العراق ثلاث دويلات سنية شيعية كردية. وهكذا يتم الغاء العراق كدولة موحدة قوية كان لديها اكبر جيش في المنطقة، لمصلحة جهات اقليمية ولمصلحة دول كبرى. واكبر مستفيد من المخطط هو اسرائيل، لان العراق ازيل من المنطقة المشرقية كدولة موجودة واصبح ثلاث دول، والولايات المتحدة هي التي تصرف موازنات عسكرية ومالية على الدويلات الثلاث السنية والشيعية والكردية.
هذا لا ينفي ان هنالك اخطاءً وفساداً في العراق وفي الحكم الذي تلا الاحتلال الاميركي للعراق، لكنه لا يبرر الغاء العراق كدولة مستقلة وموحدة. ومع ذلك نعود الى المخطط الصهيوني ـ الاميركي لنقول لقد فعل فعله، وازال العراق كدولة موحدة مستقلة، وقسم العراق الى ثلاث دويلات سنية شيعية كردية. والمشروع الان يتم درسه في الكونغرس الاميركي وفي مجلس الشيوخ لإعلانه رسمياً والاعتراف به على هذا الاساس. فتكون اسرائيل قد ارتاحت من العراق نهائيا لتتفرج على سوريا وهي تتقسم. ولا ندري ماذا تخبئ للاردن وللبنان، اضافة الى ابتلاعها الضفة الغربية بالانقسام، وتغيير معالم فلسطين كلها، وتهجير الفلسطينيين ضمن ارضهم، والاستيلاء كل يوم على اراض جديدة فلسطينية في الضفة الغربية وصولا الى اعلان رئيس وزراء اسرائيل العدو الكبير نتنياهو ان اسرائيل لن تسير بعد اليوم بمشروع الدولتين، دولة اسرائيلية ودولة فلسطينية، بل مشروعه دولة يهودية من البحر الى النهر.
هذا هو المخطط الصهيوني ـ الاميركي للذي يريد ان يعرفه. اما الذي يريد ان لا يرى الخطر من المخطط الصهيوني ـ الاميركي، ويريد تسليم مستقبله ومستقبل الاجيال للصهيونية العالمية، فهو يقول انه لا يوجد مخطط صهيوني ـ اميركي. ونحن في لبنان انعم الله علينا بالمقاومة التي ردعت اسرائيل، والحقت بها الهزيمة في حرب الـ 2006، وحررت الجنوب سنة 2000، وهي جاهزة في كل لحظة لردع العدو الاسرائيلي. ورهاننا، كما نمت الصهيونية وحققت مخططاتها، ان تنمو المقاومة في بلادنا على مدى المشرق العربي، وتعود الوحدة الى العراق، وستعود لان شعب العراق العربي واحد، حتى لو تخلى الاكراد عن الوحدة.
والله يشهد ان للباطل جولة وان للحق ألف جولة..