Site icon IMLebanon

الأميركيون «احْمَرَّت عَينُهم» من ماكرون!

 

إذا صدقت المؤشرات، هناك تباينٌ فرنسي- أميركي بدأ يتَّسع حول لبنان، والصمت الأميركي تجاه حراك الرئيس إيمانويل ماكرون ليس من نوع علامات الرضا. فإدارة الرئيس دونالد ترامب محشورة جداً بالوقت، وهي لن تمنح المِهَل إلى حكومة مصطفى أديب، كما منحتها إلى حكومة حسّان دياب. وتحت ضغط الوقت، قد ترتفع الحرارة في لبنان.

أظهرت زيارة ماكرون الثانية لبيروت مزيداً من «المَوْنَة» الفرنسية على لبنان، بالمعنى الإيجابي. فالاستعراض العاطفي والمعنوي، من زيارات التلاحم مع الشعب في المرفأ إلى فيروز وأرز جاج ولقاءات المجتمع المدني ولوحة المقاتلات وهي ترسم علم لبنان في سماء بيروت، عبَّرت عن حجمِ احتضان غير معتادٍ بين دولتين.

 

الرجل يكاد يقترب من صورة المفوَّض السامي، بالمعنى الإيجابي أيضاً، عندما يكون هو الممسِك بـ»خَزْنَة» «سيدر» ويستعدّ لمتابعتها في مؤتمر جديد، وهو المواكب عن كثب إصلاح المؤسسات، فيما شركة فرنسية تُعنى بالتنقيب عن الغاز اللبناني.

 

لكن الأهم هو وصاية فرنسا على التدقيق في مصرف لبنان، وعلى الانتخابات المبكّرة بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، ورعايتها أو استضافتها لأي مؤتمر تأسيسي سيقرِّر مستقبل الكيان. وقد كانت لها اليد الطولى في اختيار الرئيس الجديد للحكومة، وربما لاحقاً في تركيبتها.

 

المثير هو صمت غالبية القوى الإقليمية والدولية إزاء هذا «التمدُّد» الفرنسي في لبنان. ففيما يستثمر الإيرانيون حضور فرنسا لتخفيف الضغط الأميركي عن «حزب الله»، توحي المواقف القريبة من السعوديين بعدم ارتياح إلى نهج فرنسا «التسووي» وتكرار تجربة دياب مع مصطفى أديب.

 

ولكن، يبقى الموقف الأميركي هو الأساس. فهل تجاوز الفرنسيون حدود التنسيق مع الأميركيين في لبنان؟ وتالياً، هل بدأ الحراك الفرنسي يستثير حساسية الأميركيين؟

 

يقول المطلعون، إنّ نظرة الولايات المتحدة إلى لبنان ودوره تختلف عن نظرة الفرنسيين من حيث المنطلق. فالأميركيون يرون لبنان من زاوية رؤيتهم الواسعة إلى خريطة الشرق الأوسط. ولذلك، يُفترض أن يؤدي لبنان الوظيفة التي يفرضها عليه هذا الواقع الجيوسياسي.

 

أما الفرنسيون، فنظرتهم إلى لبنان ليست بهذا الاتساع، وما يهمُّهم هو أن يبقى مستقراً وبوابة لحضورهم السياسي والاقتصادي والثقافي التقليدي إلى العالم العربي.

 

في الممارسة، «تعايَش» الفرنسيون والأميركيون في لبنان، والتزم كلّ طرف حدوده: واشنطن تتفهَّم حاجة باريس إلى الإمساك ببعض التفاصيل، على غرار العديد من القوى الدولية والإقليمية. وأما فرنسا فتدرك ضرورات الأميركيين الحيوية عسكرياً واقتصادياً وسياسياً. ولكن، طبيعي أن يخفي التناغم بين الجانبين تنافساً مضبوطاً.

 

بعد انتفاضة 17 تشرين الأول 2018، اختلف الأميركيون والفرنسيون على المقاربة، في إطار اللجنة الثلاثية مع بريطانيا على مستوى مدراء الخارجية. واعتبرت باريس أنّ واشنطن تبالغ في معاقبة لبنان للضغط على «حزب الله». ولكن، لاحقاً، اقترب الفرنسيون من الموقف الأميركي المتشدِّد.

 

اليوم، على شفير انتهاء ولاية ترامب، ووسط الصراع الذي يخوضه الفرنسيون مع تركيا في شرق المتوسط وليبيا، يأتي التحرك الفرنسي في لبنان وكأنّه محاولة متفرِّدة لاستغلال الوقت وانشغال الأميركيين.

 

ما زالت واشنطن ترفض تخفيف العقوبات على «حزب الله» أو تقليص الضغوط على لبنان حتى تنفيذ الشروط الدولية المعروفة. لكن فرنسا تتهاون. والدليل هو رغبتها في التجديد الروتيني لـ»اليونيفيل»، مقابل إصرار واشنطن على دورٍ فاعل في ضبط نشاط «الحزب».

 

ولكن، الأهم، هو إصرار الأميركيين على ترتيب الأرضية لإطلاق مسارٍ جديد جنوباً، ولاسيما لجهة إطلاق المفاوضات لترسيم الحدود بحراً وبراً وبدء ورشة استثمار النفط والغاز.

 

لذلك، لا يهتمّ الأميركيون بالتفاصيل في لبنان: مَن سيترأس الحكومة، وما هي تركيبتها السياسية، وسوى ذلك، بل برنامج الحكومة ومدى مراعاته شروط الإصلاح والحدّ من سيطرة «حزب الله» على السلطة.

 

فواشنطن لم تعارض الحكومة السابقة، على رغم أنّ القوى السياسية، بما فيها «حزب الله»، سمَّت وزراءها. والسبب أنّها كانت تنتظر من دياب التزامه بتلبية المطالب الدولية المعروفة ضمن مهلة الـ 100 يوم التي وعد بها.

 

اليوم، لم يعد ترامب يمتلك الوقت الكافي لانتظار «دياب الثاني» في مهلة جديدة، لأنّ الباقي حتى الانتخابات الرئاسية هو الشهران تماماً، فيما المبادرة الفرنسية جاءت بـ»دياب الثاني» بمواصفاتٍ تذكّر كثيراً بـ»دياب الأول».

 

وفي نظر الأميركيين، يتمادى الفرنسيون في «تمييع» اللعبة داخلياً، بما يسمح للقوى السياسية بالاستمرار من دون تغيير، ويتيح لـ»الحزب» مزيداً من ممارسة النفوذ داخل السلطة والمؤسسات. ولذلك، بدأ الأميركيون ينظرون «بعين حمراء» إلى حراك ماكرون.

 

حالتان يعتقد المراقبون أنّهما تدفعان الأميركيين إلى القبول بالمسعى الفرنسي، في هذه الفترة الضاغطة، وهما:

1- إبرام تسوية مع إيران، شاملة أو موضعية تتعلق بلبنان.

2- موافقة لبنان الرسمي، أي «حزب الله»، على الدخول في مسار المفاوضات للترسيم جنوباً.

دون ذلك، الأرجح أنّ المحاور ستكون ساخنة، على جبهات عدّة، بما في ذلك الشارع والمال والنقد والاقتصاد.