Site icon IMLebanon

الأميركان يهمهم اكتشاف النفط لا الاهتداء الى الحل السياسي

الأميركان يهمهم اكتشاف النفط لا الاهتداء الى الحل السياسي

لبنان يجنح الى جمهورية التعقل

ويتفادى الغرق في التطرف والتهور !!

وقف الموفد الأميركي أموس هوكستين مشدوهاً، وهو يتحدث الى القائم بالأعمال الأميركي السفير ريتشارد جونز، بعد سلسلة لقاءات عقدها مع الرئيسين نبيه بري وتمام سلام ووزير الخارجية جبران باسيل، في نهاية أسبوع الانتخابات البلدية. إنني أعجب لحال وطن غني بالثروات، ويضيق بالامكانات، وسكانه وحكامه هدفهم واحد: ماذا يستفيد كل منهم من هذه الثروات، وهي بعد في خضم بحر المصالح؟

وأردف: عجيب أمر هذا الوطن، حكامه يريدون حصصهم المتوقعة من النفط والغاز، قبل أن يكتشفوا حجم الثروة.

وقال هوكستين: هل نحن جئنا الى لبنان، لنتفرج على جمهورية تعوم فوق بحر من الثروة، أم لنبكي على وطن يحتضن ثروة تبحث عمّن يعثر عليها، لأن لبنان وطن الثروة وحكامه يريدون هذه الثروة قبل أن يكتشفوها.

وقال السفير ريتشارد جونز إنه كانت هناك مباحثات مع الرئيس بري، حول اقتراحات جديدة، ومنفتحة لحل موضوع الحدود البحرية في الجنوب، وعبّرنا سوياً عن أملنا وتفاؤلنا في الوصول الى اتفاق سلام يسمح للبنان باستخراج ثروته النفطية والغاز من مياهه والمنطقة الخاصة.

ويُقال إن هوكستين بحث مع سلام ومع سعد الحريري عن المناقصة المطلوبة، لاكتشاف النفط، وإن الآراء توافقت على البحث عن عملية التنقيب عن النفط والغاز في لبنان، من أجل عدم تفويت الفرصة على لبنان واللبنانيين، للإفادة من الثروة النفطية والغازية، في ظل بروز العديد من مصادر الغاز في المنطقة.

ويقول رئيس الحكومة تمام سلام، إن لبنان بلد معرَّض للانهيار، ومسكون بهواجس الانحلال، وانهيار الدولة، ولا أحد يتراجع عن المخاوف التي تتربص به، وتهدده بالزوال، فيما الثروات تطفو فوق كل بقعة فيه.

هل كانت المخاوف تلاحقه قبل نصف قرن من الآن؟ هل أضحت المصائب أكثر حدة من السابق، وجاثمة فوق كل مكان فيه؟

كان الرئيس تمام سلام عائداً من اسطمبول بعد مشاركته في قمة انسانية لصالح الدول النامية، لكنه فوجئ بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان، يتخلص من رئيس وزرائه داود أوغلو صانع المعجزة التركية، ليأتي بوزير في حكومته، ويعيّنه مكانه، ولو على حساب وزير خارجيته السابق ورئيس حكومته المغادر الى مكان آخر.

هل كانت مصادفة مقصودة أو غير مقصودة، أن يختار رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو وزيراً متطرفاً هو ليبرمان ليعهد اليه بحقيبة وزير الدفاع في الدولة اليهودية؟

في اسرائيل الثاني في الحكومة هو وزير الدفاع. وهذا ما كان يحتله الوزراء السابقون امثال شمعون بيريس وأرييل شارون قبل حلولهم مكان مناحيم بيغن، وقبل أن يصبحوا جميعاً في منصب رئيس الوزراء.

وهذا ما جعل الرئيس تمام سلام يتساءل عن سر هجوم التطرف على التعقل في المواقع الحساسة داخل السلطة.

وعندما اختار تمام سلام وزراءه حرص على اختيار وزيرين يثق بهما هما محمد المشنوق ورشيد درباس، والأخير ابن طرابلس وقائد سياسي مشهور بالأدب السياسي، وكان نقيباً للمحامين في العاصمة الثانية. وعندما تعرّض وزير البيئة لهجوم عنيف من أقرانه وأعدائه، اختار سلام الوزير درباس للحلول الى جانبه في الاجتماعات الحساسة بانتظار وقف الحملة على وزير البيئة.

كان سلام قد وعد الدرباس، بوزارة العدل، لكن الرئيس سعد الحريري رشح لوزارة العدل اللواء أشرف ريفي ترضية له، بعد استقالته من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، ولم يخطر في باله، أن الوزير المختار سيؤلف لائحة انتخابية في طرابلس لمنصب رئيس البلدية وتسمية أحمد قمر الدين لهذا المنصب، وأن تتعقد الأمور، فيضطر سعد الحريري الى التوافق مع نجيب ميقاتي لتأليف قائمة انمائية – سياسية في العاصمة الثانية، ويصبح في مواقع غير متوافقة مع وزير العدل المستقيل. ويطلع في الأفق مرشح ثالث هو الأحدب، وهو غير أحدب نوتردام.

كان الرئيس سعد الحريري يردد دائماً، بأنه يخاف من شيء واحد هو التطرف لأنه عدو التعقل، وأنه كان يسمع من والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حذره من التطرف، وأنه صارحه أكثر من مرة بأنه كان يسمع من صديقه الرئيس الفرنسي جاك شيراك بأنه لا يخاف الا من التطرف، لأن المتطرفين في السلطة هم أعداء الدولة والسلطة في آن.

في الأسبوع الفائت، وبعد مشاركة قيادي في حزب الله لاقى حتفه، بأنه متهم بمشاركته مع سواه في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أبدى عديدون تخوفهم من سر غامض مفاده وجود نيّات للتخلص من معظم المتهمين في المحكمة الدولية في لاهاي، بضرورة البحث عن أسطورة غامضة ينبغي الكشف عنها، اسمها ازاحة الستار عن المتهمين بتصفية الرئيس رفيق الحريري.

في الحلقة الأولى وفي المرحلة الثانية والدورة الثالثة عشية بدء الدورة الرابعة، من الانتخابات البلدية، تغيّرت مفاهيم، وبرزت تطورات أبرزها وجود انحرافات وتفاهمات قد تمهد لكشف ما هو محجوب، وما هو غير مستور، عما كان سائداً في حقبات الوصاية السورية على لبنان، قبل الخروج السوري منه، وقبل اندلاع الحوادث في سوريا، وانتقالها من دمشق الى حماه وحمص وحلب، وسريان المخاوف من استمرارها قروناً في بغداد، وصنعاء وعدن والمنامة في البحرين.

ومن أبرز ما حدث، وجود تفاقم في العلاقات داخل التيار الواحد وتناغم بين الأعداء الكثر والأصدقاء الجدد، ولا سيما بين الرابية ومعراب، حيث كان العنصران الأساسيان في مواقع متضاربة حيناً، ومواقع متقاربة أحياناً، ومن أبرزها الخلاف من دون افتراق بين التيار العوني وحزب القوات اللبنانية في جونيه والتلاحم في معركة جزين والفوز الكاسح الذي حققه النائب الجديد أمل أبو زيد، ضد خصمه المعروف، وهو نجل النائب السابق سمير عازار الذي يحظى بتأييد وتعاطف الرئيس نبيه بري سابقاً، في حين يحظى أبو زيد بدعم حزب الله الذي أعطى ثقته ولا يزال للرئيس العماد ميشال عون.

هل انتهت الانتخابات النيابية على خير في طرابلس، بين نهج المستقبل، بزعامة سعد الحريري، ونهج وزير العدل ونهج النائب السابق مصباح الأحدب؟

لا أحد يدري قبل انجلاء الغموض، ومعرفة مصير التقارب والبعاد بين الرئيس سعد الحريري والوزير أشرف ريفي.

إلا أن معركة طرابلس ومعركة صيدا ومعركة القبيات وتنورين مجموعة حلقات، ستحدد لاحقاً مستقبل ١٤ آذار، بعد الأزمة العاصفة داخل حركة ٨ آذار.

إلا أن التباينات في الأصوات، وظهور معالم جديدة، في النتائج تؤكد أن الافرازات الجديدة، ستترك انعكاساتها على التطورات المقبلة، وتكشف أن لا أحد وحده، يمكن أن يسيطر على مدينة بكل أصواتها والمفاجآت.

ففي العام ١٩٩٦ لم يستطع المستقبل كسب معركة طرابلس، من دون تحالفه مع نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي وموريس فاضل وأحمد كباره. في العام ٢٠١٦ وجد الرئيسان سعد الحريري ونجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي والوزير فيصل كرامي، والنائب أحمد كرامي انفسهم مضطرين الى خوض المعركة الشرسة معاً، لتفادي هزيمة قاسية في مدينة صعبة المراس.

وفي رأي الرئيس نجيب ميقاتي أن لا أحد يمكنه أن يكون ضد سعد الحريري في طرابس ويربح المعركة بسهولة، ولا أحد يستطيع الفوز أو تفادي الخسارة، من دون وحدة في التوجه والتعقل، في ظل تطورات أمنية ملتهبة تمتد حدودها الى القلمون والميناء، وخصوصاً أن تقاسم المدة الرئاسية بين الطوائف أصبح من حتميات الظروف المذهبية والطائفية.

الا ان مبادرة الرئيس نبيه بري الى اعداد مشروع قانون انتخابي جديد، بات مطلوباً الآن تفادياً لما هو محظور سابقاً على الجميع.

ويقول الرئيس حسين الحسيني، إن تجزئة مدة الانتخابات الرئاسية الأولى، قد يكون متاحاً أو متعذراً، لكن اجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية قد يمهد لحل مأزق كبير مع الرئيس العماد ميشال عون.

ويروج الرئيس تمام سلام، أنه نجح في جمع الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، ولا يصعب عليه جمع المستقبل والتيار في مخرج مقبول في الوقت المناسب، لا على حساب ترشيح الرئيس عون، ولا على حساب الوزير سليمان فرنجيه، ولا يستبعد بروز ذلك في حقبة الخريف المقبل، لأن ظهوره الآن من باب المستحيلات السياسية، لأن الصعوبات تزداد تفاقماً خلال الأزمات السعودية والايرانية والأميركية.

ماذا كان يحدث قبل أكثر من ربع قرن؟

وماذا كانت المعلومات توحي قبله على الرغم من التباين السياسي والعقائدي؟

وماذا حملت سنة ١٩٧٦ الى اللبنانيين؟ لا شيء.

فحرب الطائفية والعقائد والمخابرات والأيدي الغريبة والأيدي المحلية والمناورات السياسية، وتضاؤل دور القيادات القديمة ونمو وتزايد أدوار القيادات المسلحة وغير المسلحة، والجوع والفقر والتهجير والبطالة واستغلال المواطنين حتى في قوتهم اليومي، والرعب والفزع والنوم تحت الأرض دون أن يدري النائم ما اذا كان سيطلع على وجه الدنيا في اليوم التالي أم إنه سيظلّ نائما الى الأبد، والتجاهل العربي والدولي والمساومات وارتياح اسرائيل وتبلبل الموقف العربي، وغيرها وغيرها، سمات العام ١٩٧٥ أطلّت كلها بكل ما فيها من مآس على العام الجديد.

استقبل اللبنانيون بداية السنة في ١ كانون الثاني من عام ١٩٧٦ باستمرار الحوادث الفردية وسيطرة المسلحين على مختلف المناطق الرئيسية في بيروت والضواحي، وبتزايد حرب البيانات واتفاقات وقف اطلاق النار التي لا تنفّذ، وضياع القيادات وهدرها للوقت دون أن يلمس اللبنانيون أي نتيجة.

في ٢ كانون الثاني، نعمت بيروت وضواحيها بهدوء نسبي، لكن سيف الخوف ظلّ أكبر من الهدوء وظلّ هو المسيطر على كل الأعناق. وانسحب المسلحون فعلاً من بعض المناطق المنظورة، ولكن الى أماكن غير منظورة، ولم يبق من السلطة من فعالية إلاّ أن تنصح بعدم التجوّل لأن غالبية الطرقات لا تزال حذرة. ومع ذلك، فقد نزل الناس الى الطرقات والشوارع على مسؤوليتهم لقضاء الحاجات الضرورية الملحّة، وأبلغ رئيس الحكومة الفرنسية الأسبق ميشال دوبريه جريدة الفيغارو الفرنسية أن لبنان يموت تحت بصرنا، والدعوة الى التعقّل لها ما يبررها، لأن سحق لبنان هو قرار بالغ الخطورة وان شيئاً من لبنان قد انتهى.

وكان دوبريه يقول ان الشرط الأول لسلامة فرنسا ولحرية الفرنسيين هو ان ينجبوا أطفالاً، كما في سنوات التحرير الأولى، وهذه هي الأمثولة اللبنانية.

في ٣ كانون الثاني بادر الشيخ بيار الجميّل، بعد الرئيس كميل شمعون الى التأكيد بأن حزب الكتائب ضد التقسيم، كما هو الآن ضد الفيدرالية.

وكانت تصل الى مسامع الأميركيين اتهامات مختلفة المصادر حول دور ما يقوم به السفير الأميركي لاضعاف لبنان، لدعم محاولات اضعافه تمهيداً لتقسيم هذا الوطن المعذب.

في ٤ كانون الثاني ١٩٧٦، نعمت بيروت وضواحيها بهدوء نسبي سمّي بهدنة آخر الشهر. وكشف النقاب عن قيام اتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على تمديد ولاية مجلس النواب اذا لم تسمح الظروف باجراء انتخابات نيابية تجنّباً لاحتمالات الوقوع في مأزق دستوري. واتسع نطاق الحديث عن احتمالات التقسيم. وقال السفير البابوي الفريدو برونيارا إن البابا بولس السادس قال له إنني لا أعرف لبنان الكبير ولا أعرف لبنان الصغير بل أعرف لبنان كما هو الآن، وهكذا يجب ان يبقى. وقال السفير البابوي إن البابا يصرّ بشدة على وحدة الشعب اللبناني ووحدة الأراضي اللبنانية.

تجدّدت في ٥ كانون الثاني موجة الخطف في مختلف المناطق، الأمر الذي دفع كرامي الى القول: هذه السراي لم يبق منها إلاّ نحن، وهذا معناه أننا مع الشرعية واستمرارها، لأننا ضد الفراغ، ولأن وجودنا هو فعل ايمان، ولأن لبنان الواحد العربي الحرّ السيّد المستقل هو أمانة غالية في أعناقنا.

وبرز خلال تلك التطورات امكان انتخاب رئيس للجمهورية سليمان فرنجيه.

وورد وسط هذه الأحاديث اسم الياس سركيس كواحد من أبرز المرشحين لخلافة الرئيس فرنجيه. ولكن كل هذه التفاصيل كانت تصطدم بعدم استعداد الرئيس فرنجيه للتخلي عن صلاحياته أو دوره قبل انتهاء ولايته، وبدعم الرئيس كميل شمعون له في هذا الموقف المبدئي، ومبادرة شمعون الى فتح النار على مثيري هذه الاقتراحات وعلى ابو عمار لأنه اشترك في قمة عرمون، واعتبار ذلك الاشتراك محاولة لزجّ غير اللبنانيين في شؤوننا واعطاء المشكلة اللبنانية طابعاً يتعدى مداها اللبناني.