غزا الأميركيون العراق بعد 13 سنة حصاراً تحت شعارات ونظريات الديموقراطية والنظام الحر والحريات الخاصة والعامة… وحدّدوا ثلاثة أهداف للغزو:
الأول- القضاء على أسلحة الدمار الشامل التي «يملكها» العراق.
الثاني- القضاء على «القاعدة» في العراق!
الثالث- نشر الحرية والديموقراطية.
وثمة هدف رابع أو ما يشبه الهدف، وهو أنّ الشعب سيستقبل الغزاة الاميركيين بالورود والرياحين ونشر الارز والملبّس.
صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» قالت لبوش: أنت كاذب، فلا أسلحة دمار شامل في العراق، ولم يكن فيه أي أثر لـ»القاعدة»، ثم انّ الحرب لم تكن سريعة بل طويلة جداً، وأيضاً لقد استقبلنا الشعب العراقي بالسلاح والمتفجرات وليس بالورود والرياحين ونثر الارز.
أمّا الكذبة الكبرى فهي موضوع الحرية والديموقراطية… لأنّ هذا الإدعاء سرعان ما سقط أمام حقيقة أنّ أياد علاوي فاز بأكبر لائحة نيابية ما يخوّله ترؤس الحكومة، وهو المعتدل ومن دعاة التعايش بين مكوّنات الشعب العراقي، وما أكثرها، فاتفق الاميركي والإيراني وجاءا بمتطرّفٍ شيعي يكره أهل السُنّة هو نوري المالكي ومارس خلال حكمه أبشع أنواع الاضطهاد للسُنّة… والتنكيل بهم… ومن اليوم الأول لتسلمه الحكم لم تتوقف التفجيرات والعمليات الانتحارية والسيارات المفخخة يوماً واحداً على الرغم من وجود الاميركيين يومذاك في العراق، علماً أنّ الفساد استشرى بشكل غير معهود أو مسبوق، وتبيّـن أنّ 50 ألف عسكري و50 ألف رجل أمن يتقاضون مرتبات وتعويضات من دون أن يؤدوا أي خدمة…
أضف الى ذلك أنّه كان يعطي قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري 200 ألف برميل من النفط يومياً (ما يوازي 6 مليارات دولار سنوياً) لتمويل أعمال الإرهاب في لبنان وسوريا والكويت وسواها من البلدان.
والعجيب الغريب أنّ الإيراني يزعم أنّ واشنطن هي الشيطان الأكبر، فكيف اتفق واياه؟ وكيف سلمه العراق؟
هذا الفصل الاول من الأكاذيب، أمّا الفصل الثاني فهو ما يتعلق بالملف النووي الإيراني: عشر سنوات… مئات الاجتماعات، عشرات المواعيد، عشرات الشروط والشروط المضادة… آلاف التصريحات… والطامة الكبرى أنّ الدولة العظمى، حاكمة العالم، تجلس الى طاولة المفاوضات مع خمس دول عظمى أخرى (فرنسا، إيطاليا، بريطانيا، الصين والمفوضية الاوروبية) جميعهم في مقابل وزير خارجية إيران.
لو كان أحد قال لنا سابقاً إنّ هذا سيحصل لكنا قلنا: هذا حلم غير قابل للتحقيق! ولكنه حصل!
الى ذلك، فإنّ واشنطن عندما تشعر بأي خطر على إسرائيل تبادر الى السماح بضرب هذا الخطر كما حدث للمفاعل النووي العراقي (1981) والمفاعل النووي السوري من دون أي مفاوضات أو مباحثات أو شروط…
والفصل المستجد في هذه الأيام هو «داعش»… وبات أكثر من معروف أنّ «داعش» اختراع أميركي، وأعطي اسماً أميركياً هو (ISIS) أي الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام… وأعلنت واشنطن عن تحالف لمحاربة «داعش» (41 دولة عملياً، و62 دولة مساعدة) وجاءت بأساطيلها…
وتاريخ الكذب يعيد ذاته، من ناحية تحذّر واشنطن من التدخل الايراني ومن الخطر على العراق في الوقت الذي تضرب «داعش» بالطيران، فكيف لواشنطن أن تسمح لـ»عدوّها» (المفترض) إيران أن يشارك عسكرياً كدولة وحرس ثوري وميليشيات في عملية عسكرية داخل العراق (ما يجري في تكريت تحديداً)؟… هناك فعلاً تعاون حقيقي: أميركا تضرب من الجو وإيران على الارض… فأي تعاون عسكري أقوى من هذا؟
ثم تدّعي واشنطن أنّها تدرّب الجيش العراقي، وهي التي ارتكبت خطيئة مميتة بحل الجيش العراقي في أول قرار اتخذته بعد الغزو عام 2003… ثم هي تدرّب هذا الجيش اليوم!
بعد هذا العرض كله، لست أعلم كيف يمكن لأحد أن يثق بالأميركيين؟ وإني أدعو العالم العربي كله ليس الى مقاطعة أميركا، بل لمعرفة من هي أميركا، وما هي حقيقتها… وأن يبنوا سياساتهم إنطلاقاً من ان الاميركي كاذب وهو حليف فعلي لإيران.
وكشفاً للحقيقة في ما تقدّم سأنشر هنا ما قاله المرشد خامنئي أول من أمس في مهرجان حاشد لمناسبة الاحتفال بعيد النيروز الفارسي… وهو دليل على الباطنية والتقية والإزدواجية التي يبدو أنّ الاميركي تعلمها وصار بارعاً فيها بامتياز، ردّد خامنئي شعاره الأثير: «الموت لأميركا»… وقال الشيء وضدّه عندما أعلن: لا أحد في إيران لا يريد حل القضية النووية عبر المفاوضات، ولكن أميركا هي الشيطان الأكبر»؟!.\