IMLebanon

أميركا تمثال الحرّية الآيل للسقوط!

 

 

«اميركا لقد أعطيتك كلّ شيء..
وها أنا الآن لا شيء…
اميركا متى تنهين محاربة البشر؟
اميركا متى تصبحين ملائكية؟
متى تنزعين عنك الملابس كلّها؟
متى ستنظرين إلى نفسك من خلال القبر؟
اميركا لماذا تمتلئ مكتباتك بالدموع؟
لقد سئمتُ من متطلّباتك المجنونة…»
*الشاعر الأميركي ألن غينسبرغ

يقول الكاتب الأميركي الساخر مارك توين واصفاً أميركا: لقد منّ الله علينا بثلاث في هذا البلد حرّية التعبير وحرّية التفكير والمقدرة على عدم تطبيق أياً منهما. كانت، وما زالت هوليوود إحدى اهم أسلحة الولايات المتحدة الأميركية في اسلوب او حروب الدعاية والتحريض على الآخر «العدو» في تبرير المستحيل.. في تبرير الحروب العدوانية على الخصوم من السكان الأصليين وصولاً إلى حروب هذه الايام في الشرق الأوسط كما صورتها وظهّرتها تاريخياً كاميرات ومعامل هوليوود السينمائية.. يقولون إنّ التاريخ يكتبه الفائزون، وهذا بالتأكيد هو الحال عندما يتعلّق الأمر بالسكّان الأصليّين في أمِيركا أو الهنود الحمر، وكيف صوّروا في الأفلام الهوليووديّة منذ بداياتها. اللغة السينمائية لعبت دورََا كبيرََا وهامََّأ جدًّا بشرعنة قتل «الاعداء» وخلق تعاطف مع «البطل الاميركي»، هذا حصل عبر قرارات تصويريّة من شأنها أن توجّه مشاعر المشاهد. يختار (المخرج) بأن يصوّر «البطل الأبيض» بلقطات من عدّة زوايا مختلفة؛ بحيث يتمكن المشاهد البسيط من أن يقرأ تفاصيل وجه «البطل الأبيض» وتعابيره بالكامل والنظر إلى داخل عينيه، وبالتالي، يتعاطف معه كإنسان. بينما على الطرف الآخر، اللغة السينمائيّة، نجد هنالك «العدو»، يختار المخرج بأن يظهرهم دومًا كجماعة، فلا نراهم أبدًا أفرادًا لوحدهم، اللقطات التصويريّة بعيدة دومًا، مصحوبة بأصوات صراخ هستيرية. لا توجد هناك تعابير وجه للعدو في المصطلح الاميركي، فهو متوحّش، يهجم ضمن مجموعة كبيرة، بهدف أذيّة «البطل» وحضارته… يرفع فيلم «الحرب الأهلية» تحذيراً مماثلاً. إنّها قريبة بدرجة كافية من موضع أميركا الداخلي والخارجي الآن، حيث لا نحتاج إلى المُخرج أليكس غارلاند لملء كل الفراغات.

كان رأي جان جاك روسو في كتابه «أصل التفاوت بين الناس»: أنّ الحضارة أفسدت الإنسان ودمّرت فطرته كما أفسده غرور التفكير وأوصله إلى الكشف عن قوانين الطبيعة إلى نهبها وتدميرها وإلى استعباد البشر الآخرين.. ويقول روسو بهذا الصدد: «إذا كان الناس اشراراً، فسوف تصل بهم العلوم بكل تأكيد إلى شرورٍ أكبر بكثير.. يجب ألّا تُعطى أسلحة بأيدي مجانين». عندما ذهب الكاتب في نيويورك تايمز ميشيل غولدبرغ لمشاهدة فيلم أليكس غارلاند الجديد والمذهل «الحرب الأهلية» واستحضاره المرعب للانهيار الأميركي، توقعت أن أكون منزعجاً من عدم معقولية فرضية الفيلم. أنا لا أتحدث عن فكرة أنّ أمِيركا يمكن أن تتحوّل إلى صراع مسلّح شرس. ويبدو هذا ممكناً، إن لم يكن محتملاً. في أحد استطلاعات الرأي لعام 2022، قال 43 بالمائة من الأميركيين إنّهم يعتقدون أنّ اندلاع حرب أهلية خلال العقد المقبل هو على الأقل محتمل إلى حدّ ما. لن أذهب إلى هذا الحدّ، ولكنني لن أُفاجأ إذا تصاعد العنف السياسي بعد الانتخابات المقبلة وخرج عن نطاق السيطرة في نهاية المطاف. ومع ذلك، أنا واثق تماماً من أنّه إذا كان هذا النوع من الحرب الذي يصوره غارلاند قد اندلع بالفعل في هذه الأمّة المحاصرة، فإنّ كاليفورنيا وتكساس لن تكونا على الجانب نفسه.

 

«هل توجد حكومات جيدة وحكومات سيئة؟ لا، هناك حكومات سيئة فقط وحكومات أشدّ سوءًا».. كانت الحرب الأهلية الأميركية «الاولى»، والتي استمرت 4 سنوات صراعًا مثيرًا للانقسام بين الاتحاد الشمالي والكونفدرالية الجنوبية، وكان السبب الرئيسي في ذلك هو توسّع العبودية في المناطق الغربية. بلغ التوتر السياسي المحيط بالعبودية ذروته بانتخاب أبراهام لنكولن عام 1860، مما دفع سبع ولايات جنوبية إلى الانفصال وتشكيل الكونفدرالية. بعد انتصار لينكولن، استولت الكونفدرالية بسرعة على الحصون الأميركية والأصول الفيدرالية، مما دفع أربع ولايات أخرى إلى الانفصال. انخرط الجانبان في قتال شرس، في المقام الأول في الولايات الجنوبية مع إعلان لينكولن لتحرير العبيد. أدّت انتصارات الاتحاد الإستراتيجية إلى تقسيم الكونفدرالية، وحصار الموانئ الكونفدرالية، إلى شلّ جهود الجنوب. واستيلاء الاتحاد على أتلانتا. وقد تمّت الإشارة إلى نهاية الحرب من خلال استسلام جنرال الاتحاد. في حين استمرت المناوشات لفترة وجيزة، وزاد اغتيال لينكولن بعد فترة وجيزة من حزن الأمة. أسفرت الحرب عن خسارة فادحة لمئات الآلاف الجنود، مما يجعلها الصراع الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة. وشهدت أعقاب ذلك انهيار الكونفدرالية، وإلغاء العبودية، وبدء عصر إعادة الإعمار، الذي يهدف إلى إعادة بناء الأمة ودمج الولايات الكونفدرالية السابقة. إنّ تأثير الحرب، سواء من حيث التقدّم التكنولوجي أو الوحشية المطلقة، مهّد الطريق للصراعات العالمية في المستقبل.

 

ما زالت فلسفة الفوضى تطرح أسئلة كثيرة عن حقيقة الوضع العالمي الراهن وجوديًا.. هل هو مقبول على مقياس الاستمرارية أم أنّ أخطار التدمير الذاتي باتت مرتفعة للغاية؟ هل أثبتت سيرورات وكينونات التاريخ.. أو قوانين التطور الاجتماعي مقولة التحوّل الثوري للمجتمع كما اعتقد بعض القادة والمفكّرين من خلال مبدأ تراكم الفوضى النوعية.. أم أنّ الفوضى العالمية الراهنة في أعلى مراحل التغول العالمي تأخذنا نحو الدمار النهائي بيئياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وإنسانياً؟ نحن نتحدث عن رؤية جذرية للتحدّيات التي تواجهها البشرية، من الاحتباس الحراري وحرائق الغابات ثم اللاجئين.. وبعدهم النازحين.. والتحكّم الرقمي والتلاعبات الوراثية الحيوية إلى الانقسامات الأيديولوجية الحادة بين اليمين المتطرّف والمؤسسات الديمقراطية الليبرالية، وتضاؤل الفضاءات المشتركة… إلى الأزمة البيئية المركزية اليوم، والتي أصبحت الأخطار التي تشكّلها تهدّد ديمومة الكائنات الحية على الأرض. فبإحراقنا المتعمّد للغابات – عام 2020 اندلع 4 آلاف حريق في البرازيل – وباستغلالنا المفرط للموارد الطبيعية نقتل رئات كوكبنا الأرضي ونسرّع ما يبدو أنّه مسيرتنا المحتومة نحو الانتحار الجماعي..

 

هذا دون ان يغيب عن بالنا كما يقول سلافوي جيجيك: مسألة الفقر واللجوء في البعد السياسي والاقتصادي والاجتماعي من منظور أيديولوجي، فالحل الحقيقي الوحيد عنده يكمن في تغيير النظام الاقتصادي العالمي الذي ينتج المهاجرين، وتحليل تناقضات هذا النظام الجوهرية. فعندما يقول المحافظون في الغرب إنّه ينبغي علينا مدّ يد العون إلى اللاجئين من دون الإخلال بـ»رفاهيتنا التي اكتسبت بشق الأنفس» ونفي مسؤولياتهم عن الفقر والحروب وموجات الهجرة والنزوح.. يردّ جيجيك أنّ «التغيير الاقتصادي الاجتماعي الجذري هو الوحيد القادر فعلاً على حماية هويتنا ونمط حياتنا» وأنّه «ليس في وسع أي مساعدة إنسانية – اذا وجدت – أن تجد حلاً للتوتر الناجم عن مشكلة اللجوء إلّا بإعادة هيكلة الصرح الدولي بأسره، كما أنّه لا حلّ لمشكلة الفقر بـ(إبقاء الفقراء على قيد الحياة) بالتصدّق عليهم من منظور إنسانوي مجرد، لأنّ ذلك ليس حلاً بل مفاقمة للمشكلة، فالهدف الصحيح يتمثل في إعادة بناء المجتمع على أساس أنّ الفقر سيكون مستحيلاً». هذه الأهداف الكبرى يجب أن تضطلع بها قوة عالمية تستلهم قيم ومبادئ فكر التنوير الأوروبي – الحداثة العلمانية وحقوق الإنسان والحرّيات والتضامن الاجتماعي والعدالة والنسوية – الإرث الأوروبي (التنويري) هو المؤهل للاضطلاع بها، وهو وحده يوفّر الأدوات النقدية المثلى لتحليل ما حدث ويحدث من خطايا وأخطاء..

لكن أوروبا آخذة في الانحدار وتتعرّض لأقوى الهجمات من شعبوية اليمين الجديد التي لا تستهدف إرثها العنصري المحافظ، بل إرثها التحرّري والتنويري الذي به تظل اسماً من الأسماء التي ترمز إلى ما يمثله الكفاح في سبيل التحرر، فيما أميركا خسرت قيادتها الأخلاقية وصدقيتها العالمية. وبينما صاغ جورج كينان في مستهل الحرب الباردة في عام 1948 أيديولوجيته العنصرية باعترافه أنّ أميركا تمتلك نصف ثروة العالم، في حين أنّ سكانها في حدود 6 في المئة من سكان العالم، وأنّه يجب التوقف عن التفكير في حقوق الإنسان والإبقاء على حالة التباين هذه، عاد ترامب إلى استعادة تلك الأيديولوجية بعبارة «أمِيركا أولاً» وتبنّت إدارته، خلافاً لما تعهّدت به، من وضع حدّ للحروب في هذا العالم، إلى تبنّي أسلحة فتّاكة تستهدف المدنيين… في حين قفز أمامه الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن بأشواط «انتخابية» في تقديم كل انواع الأسلحة والذخائر الفتّاكة للحكومة الاسرائيلية اليمينية المتطرّفة برئاسة بنيامين نتانياهو في حرب الإبادة الجماعية ضدّ الفلسطينيين في قطاع غزة. نعم، في قطاع غزة الذي ارتفعت فيه أعداد الضحايا إلى 35034 قتيلاً حتى يوم الاحد 12 آذار معظمهم من الشيوخ والنساء والاطفال… كما أضافت وزارة الصحة في غزة أنّ إجمالي عدد الجرحى منذ بدء المعارك بلغ 78755 جريحاً حتى الآن…!

 

وكيف لنا ان ننسى هتافات حركة «احتلوا وول ستريت».. الاحتجاجية الشعبية الأميركية، التي دعت إلى احتلال شارع المال والاعمال في مدينة نيويورك نتيجة تردّي الأوضاع الاقتصادية، وتأثّراً بحركة ثورات الربيع العربي التي أسقطت ثلاثة أنظمة حاكمة. بدأت أوّل مرّة كدعوة تِقانية (إلكترونية) عبر صفحات «تويتر» و»فيسبوك» في مدينة نيويورك الأميركية، وبناءً على هذه الدعوات تمّ حشد على أرض الواقع في 17 سبتمبر 2011م أوّل تظاهرة، ثمّ تبعتها عدّة تظاهرات متكرّرة بعد أنّ أدّت تظاهرة على جسر بروكلين إلى اعتقال المئات وإشعال الفتيل، وقد بَدَأ منها احتلال متنزّه زوكوتي في مانهاتن. دعا النشطاء آنذاك إلى تطبيق عولمة الاحتجاجات، وتصعيدها عالمياً، وإنشاء شبكة تواصل اجتماعي جديدة وتطويرها، أطلقوا عليها اسم الميدان العالمي، فتوسّعت الاحتجاجات لتشمل الولايات المتّحدة الأميركية كلّها، قبل أن تتحوّل تدريجياً إلى حركة شبه عالمية في 15 أكتوبر، فقد وصلت الاحتجاجات إلى أوروبا.. وأستراليا وكندا لاحقاً…

وخاطبوا العالم عبر «تويتر وفيسبوك»، وقد عبّر سكّان بريطانيا عن غضبهم من خلال «انتفاضة احتلّوا لندن» عام 2011م، وتحت شعار «نحن 99%» أصدر هؤلاء بياناً يتضمّن مطالب وأهدافاً وحلولاً لمواجهة الأزمة، ويشير الشعار إلى غياب العدالة في توزيع الثروة بين 1% من سكان العالم ذوي ثراء كبير، و99% يعانون الفقر والحرمان، ويظهر من خلال هذه الحركة شعور البريطانيين بأنّ النظام هو المشكلة. كان أحد الأسباب التي جرّت إلى هذه الاحتجاجات أنّ الحكومة الأميركية قامت بتمويل الشركات الكبيرة، مثل شركة «غولدن ماكس وجي بي مورغان،، التي تعرّضت للإفلاس من تداعيات الأزمة المالية لسنة 2007م، ثمّ الأزمة المالية في وول ستريت عام 2011م التي أعقبتها، فالحجّة التي استند إليها المتظاهرون هو هذا التناقض في عمل الحكومة، حيث قامت بمساعدة الشركات الكبرى ودعّمتها على الرغم من قيام هذه الشركات نفسها بالتسبّب في الأزمة المالية عن طريق ممارساتها غير العادلة.

 

من وحي غزوة الكونغرس، أو بالأحرى غزوة واشنطن أو ما بعد اميركا: هناك من يعتقد واهماً من أنصاف المثقفين إن طبيعة السياسة الأميركية في الداخل الأميركي قادرة على التعامل مع أعتى الأزمات على طريقة «سوبرمان» أو»الرجل الوطواط» وإعادة عجلة «الوقت» إلى الوراء ضارباً بالحائط قوانين الفيزياء القديمة والحديثة كلها الحتمية منها والكمية.. ليس ذلك وحسب، بل هناك من هو فوق سلطة إنفاذ القانون (الحكومة العميقة) بدليل عودة السلطة التشريعية للاجتماع في نفس اليوم وتثبيت شرعية انتخاب بايدن وعدم الخضوع لترهيب شبيحة “ترامب” وإجماع (نصف الأميركيين) على وصف الغزوة باليوم الاسود للديمقراطية الأميركية دون الأخذ بالاعتبار (النصف الآخر) في الكوميديا الديمقراطية السوداء.. كما برّر ذلك البعض ما حدث إنّ الغزاة سيخضعون لسلطة القانون وترامب نفسه كان أول المتبرئين من فعل أنصاره وقد حرّضهم على ذلك عندما طلب منهم التوجّه نحو الكابيتول وربما يخضع هو نفسه لاحقًا للمساءلة القانونية.. كما اعتقد اصحاب الحلم الأميركي الذي تحوّل الى مجرد كابوس في مقياس ريختر الانكل سام.. دون ذكر مقياس ريختر الأمم والشعوب للزلازل المالية والاقتصادية والسياسية والحروب الدائرة على مساحة هذا العالم..

 

كما اعتقد أنصاف هذا البعض من المثقفين والنخب لدينا إدراك ترامب أنّه لن يكون فوق القانون والتفكير بالعفو عن نفسه قبيل عزله، كما طالبت في ذلك الوقت رئيسة مجلس النواب “بيلوسي” بإجراءات راديكالية، رفضها نائب الرئيس السابق ”بينس” كما صوروا رفض طلب ترامب نفسه بعد الغزوة بإبطال رئاسة بايدن معلّلاً ذلك بعدم امتلاكه تلك الصلاحية انتصاراً للديمقراطية في البلاد التي انقسمت على نفسها في شوارع الولايات «المتحدة» الأميركية. لم يتعلّم أنصاف المثقفين من غزوة واشنطن سوى أنّها أعطت بلاط الأنظمة الشمولية درساً مهمّاً في الديمقراطية والوطنية.. ولم يروا في غزوة الكونغرس والمؤسسات الأميركية الأخرى سوى انّ في أمِيركا لا يمكن التهديد بالقمصان السود للانقلاب على نتائج الانتخابات الديمقراطية، فالمؤسسات الدستورية والشرعية وكذا الجيش ووكالات الأمن لم تنقسم ويذهب كل لواء وفيلق وجهاز ومؤسسة وراء زعيمه الحزبي والطائفي والمذهبي والمناطقي.. واعتقد هؤلاء الأنصاف انّ موضوع الغزوة والانقسام العامودي في بلاد الدولار تنتهي بالمقارنة مع ما يجري في بلد اللولرة.

 

كما اعتقد هذا البعض من أشباه النخب وأنصاف المثقفين لدينا، أنّ في أمِيركا لا احد يستطيع التهديد بالسلاح والعنف لتغيير المعادلات في بلاد اليانكي التي يمتلك فيها كل مواطن في منزله أسلحته الخفيفة والمتوسطة.. بل يتمّ في صناديق الاقتراع.. كما يحاضر ذلك البعض لدينا انّ اميركا وفي أسوأ ايامها الديمقراطية لم يتجرأ احد من الخارج إن يتدخّل في أزماتها وشؤونها الداخلية، فيستقوي بعض الداخل بالخارج على الشركاء في الداخل لأنّ الثوابت الوطنية واضحة والانتماء واضح وممارسة السياسة كما الوظيفة العامة تتمّ وفق ضوابط صارمة – المدينة الفاضلة – ومن يخرج يتحمّل العواقب دون مظلة تحميه، كذلك أغلب مساعدي ترامب في ادارته وحزبه الجمهوري لم يجاروه في تطلعاته السلطوية، فاستسلم لتسليم سلس للسلطة بعد (الغزوة) عندما ادرك انّ لا احد فوق القانون، في الولايات المتحدة الاميركية، كذلك ليس بإمكان احد التوسط للملمة القضية او حفظها في الأدراج.. في أمِيركا يقول احدهم لا يحتاج القضاء لأن يرفع احد الغطاء السياسي عن المرتكبين، لأنّ فصل السلطات مؤّكد وفاعل بالنص والممارسة.. ناسياً او متناسياً هذا البعض تاريخ الولايات المتحدة الأميركية من القرصان الاول كولومبوس إلى تصفية السكان الاصليين واستيراد الأفارقة مغلولي الأيدي خلال رحلات الشحن في عنابر الموت والرق والاستعباد إلى القارة الجديدة.. دون ذكر أهمية محاضرات العفّة الديمقراطية في عقول تلك النخب المريضة.. أو أنصاف تلك النخب والعقول الرخيصة المدفوع سعرها سلفاً بالعملة الصعبة في البلاد التي تنزف دماً على سعر اللولرة!

 

في كتابه «الموجة الثالثة Third Wave» يتنبأ آلفن توفلر بانهيار الاتحاد السوفياتي (السابق)، ويقدّم دلائل علمية وذكيّة تؤيّد تصوراته وتدعم بقوة إحتمال انهيار وشيك. وهذا ما تحققّ بعد بضع سنوات. لقد انهار الإتحاد السوفياتي كما توقّع توفلر. في نهاية الكتاب، يستكمل نبوءته بالقول: «بعد 25 عاماً – على الأقل- من انهيار الإتحاد السوفياتي على العالم أن ينتظر إنهيار الولايات المتحدة الأميركية نفسها وتفككّها إلى ولايات مستقلة»؟

 

يسوّق توفلر في إطار نظريته المستقبليّة احتمالات عدّة لسيناريوهات الإنهيار منها، أن تبدأ (ثورة السود) وامتدادها إلى كل الولايات. حرائق وتظاهرات، واعمال شغب وقتل وإنهيار أمني ثم انفصال. هكذا، سوف يبدأ الإنهيار: شرارة واحدة تُشعل غضب الملونين. لا يشّك توفلر، قط، بإنّ نبوءته عن تفككّ الولايات المتحدة الأميركية، تنبني على قراءة واقعية لما سيجري في العالم. تلك، كانت نبوءة. إنهيار الاتحاد السوفياتي بالفعل، وها قد مضى ما يقرب من 35 عاماً. فهل يمكن اعتبار نبوءة توفلر عن انهيار الولايات المتحدة أمراً محتملاً؟

 

كل ما يجري من تفكيك، منذ عام 1990- وما بعد انهيار الإتحاد السوفياتي- يؤكّد أنّ العالم كله، يتجّه نحو التفككّ: من الصومال (التي اصبحت 4 صومالات) وصولاً إلى الإتحاد السوفياتي الذي تحوّل إلى روسيا الإتحادية، مروراً بأوروبا الإشتراكية نفسها (حيث انشطرت تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين: تشيخيا- وسلوفاكيا) وليس انتهاءً، بما يجري اليوم في الشرق الأوسط، حيث العراق عراقات، واليمن يمنات.. الخ. طبّاخ السمّ الأميركي الذي مزّق العالم يشاهد ما يجري في فيرغسون ولوس أنجلوس، وهو يدرك مصيره. إنّه سيذهب إلى التفككّ. أن يتحول إلى ما بعد (الفيدراليات) أي الدويلات المستقلة. وغداً قد نشاهد أميركا وهي تحترق. ليست هذه نبوءتي؛ بل نبوءة المستقبلييّن الأميركيين. جميع النخب والانتلجنسيا الأميركية والأوروبية وغيرها في الغرب والشرق تعرف نبوءة توفلر جيداً، والروس كذلك، فهي تريد تفكيك العالم قبل أن تتفككّ. ما حدث في فيرغسون مجرد شرارة في حريق عظيم قادم..!؟