Site icon IMLebanon

دعوة أميركا الى “فوضى خلاقة” كانت هدّامة فأسقطت أنظمة ولم تُقم بديلاً منها!

يحمّل سفير سابق للبنان المجتمع الدولي مسؤولية ما تتخبط فيه منطقة الشرق الأوسط من حروب وأزمات، وعلى رأس هذا المجتمع الولايات المتحدة الأميركية ومعها اليوم روسيا بعدما أخذت تستعيد دورها من خلال تدخلها عسكرياً في سوريا.

لقد أسقطت أميركا النظام في العراق وتركته يتخبط في البحث عن نظام بديل لم يتم التوصل الى اتفاق عليه حتى الآن لا سياسياً ولا عسكرياً، وأسقطت النظام في ليبيا وتركتها هي أيضاً تتخبط في البحث عن نظام جديد لها لم يتم التوصل الى اتفاق عليه حتى الآن لا بالوسائل السلمية ولا بالوسائل العسكرية، وراحت تتفرج على حرب داخلية في سوريا مضى عليها أكثر من خمس سنوات، فلا هي ساندت النظام ولا ساندت المعارضة ولا تزال حتى الآن في موقف ملتبس من مصير الرئيس بشار الأسد، في حين أنه كان في امكانها حسم الحرب في سوريا لمصلحة أي من الطرفين لو لم تكن تعتمد سياسة التردد واللاقرار، أو سياسة الازدواجية في التعامل مع أصدقائها وحتى مع خصومها، لا سيما بعدما باتت روسيا شريكة لها، الأمر الذي قد يجعلها قادرة على فرض حل سياسي أو عسكري لا يكون فيه غالب ولا مغلوب، بحيث بات يخشى أن يحل بسوريا ما حل بلبنان عندما لم تقرر أميركا الحسم إلا بعد حرب عبثية مدمرة دامت 15 سنة لتنتهي بوصاية سورية فرضتها بالاتفاق مع الدول المعنية ودامت 30 سنة. وقد مرَّ أكثر من 65 سنة على الأزمة الفلسطينية ولم تجد أميركا لها حلاً إما لأنها قادرة وغير راغبة، وإما لأنها راغبة وغير قادرة. فلا هي أوقفت بناء المستوطنات الاسرائيلية على الأراضي الفلسطينية ليبقى منها ما يحقق إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة يحلّ قيامها أزمة اللاجئين الفلسطينيين في دول العالم، ولا أسفرت المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية والعربية التي لا يحصى عددها عن نتيجة، ولا التزمت اسرائيل تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي التي تدعو الى الانسحاب من الاراضي التي تحتلها توصلاً الى السلام الشامل والعادل في المنطقة، ما ولَّد تنظيمات جهادية ومجموعات مقاومة زعزعت الاستقرار في المنطقة على نحو يخدم تحقيق المخطط التقسيمي الذي تعمل له اسرائيل منذ سنين طويلة لتصبح وحدها الاقوى بين دول المنطقة المذهبية والعرقية، مع أن أميركا تعلم أن لا شيء ينهي دور المنظمات الجهادية والمجموعات المقاومة سوى حل الأزمة الفلسطينية أولاً، وأن أميركا عوض أن تطلب من أيران وقف تمويل “حزب الله” وتسليحه لأن دولاً عدة في المنطقة تشكو من تدخلها في شؤونها الداخلية ومن زعزعة الاستقرار فيها، فإن أميركا تكتفي بإدانة ذلك مسايرة للدول الشاكية، وتفرض عقوبات على الحزب علّها تجفف مصادر تمويله، وتضع لبنان في موقف حرج من حزب تصفه بالارهابي وهو مكوّن مهم من مكونات لبنان لا يمكن عزله أو تجاهله لئلا يهتز العيش المشترك والسلم الأهلي.

الواقع أن سياسة الاحراج التي تعتمدها أميركا غير آخذة في الاعتبار ظروف الدول الصديقة والحليفة لها عندما تضعها أمام قرارات صعبة عليها اتخاذها وما قد تترك من آثار سلبية على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وكأن كل ما يهم اميركا هو خدمة اسرائيل وجعل أمنها فوق كل اعتبار، فاكتفت بازالة السلاح الكيميائي السوري لتتراجع عن الضربة العسكرية التي كانت هددت بها النظام السوري، وراحت تتفرج على حرب داخلية لا أحد يعرف متى تنتهي. واكتفت أيضاً بمنع ايران من إنتاج السلاح النووي لاراحة اسرائيل، وتركت الصراع السني – الشيعي يشتد في المنطقة علّه يساعد اذا ما أصبح عسكرياً على تقسيمها دويلات كحل لا مفر منه لتعيش اسرائيل داخل حدود آمنة وتجعلها ترسم هذه الحدود بمواصلة بناء المستوطنات واعلان الجولان جزءاً منها لان لها أهمية عسكرية ومائية.

لقد دعت أميركا الى ما سمته “فوضى خلاقة”، فكانت هدامة لم تبق حجراً على حجر في أكثر من دولة في المنطقة، ولا أبقت حتى بشراً فيها بحيث بات في الامكان القول إنها هي المسؤولة عن سياسة اسقاط الانظمة من دون أن تقيم بديلاً منها، وألهت شعوب المنطقة بسحب المياه من الأحواض عوض أن تسكّر الحنفيات التي تصب المياه فيها.