يحار مسؤولون أميركيون على أرفع المستويات في كيفية التعامل مع سوء الفهم العميق عربياً لما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة حيال التحولات الكبرى في الشرق الأوسط. يعترف بعضهم بأن أميركا قدراتها محدودة على التحكم بالأحداث التي تشهدها المنطقة. يسوقون المثل تلو الآخر على هذا الإستنتاج: فلسطين واسرائيل، سوريا والعراق، ليبيا واليمن، السودان وجنوب السودان، السعودية وايران وهلم جراً.
يعرفون ما يهمس في الدواوين العربية من أوصاف للرئيس باراك أوباما بأنه “ضعيف” أو “متردد” أو “مسالم”. يكشفون أن أصدقاءهم القدامى لا يعبرون صراحة – لأسباب غير مفهومة – عن هذه “المشاعر” في اجتماعاتهم مع المسؤولين الأميركيين. لا يوافقون على أن واقع الحال يعبر عن ضعف أو وهن بدأ يصيب القوة العظمى. غير أنه يعكس في الحقيقة تغييراً جوهرياً في طبيعة الدور القيادي الذي تضطلع به الولايات المتحدة عالمياً.
التحديات الراهنة مختلفة.
بدأ القرن الحادي والعشرون أميركياً بواقعة كبرى: هجمات 11 أيلول 2001 الإرهابية التي ضربت قلب أميركا. لن تمحى الصورة. لن يندمل الجرح. ستعمل على تجنب “خطأ” فادح على غرار غزو العراق عام 2003. فتح ألد أعداء صدام حسين الحدود أمام “مقاومة” الغزاة. وجدت “القاعدة” أراضي خصبة في العراق واليمن. يا لها من مفارقة، يأسف الأميركيون.
أدركوا أن الإهتراء أصاب هياكل النظام الإقليمي القديم، عربياً وغير عربي. استبشروا بالإنتفاضات الشعبية في تونس ومصر وليبيا وسوريا أملاً في مستقبل أفضل. ماذا حصدوا؟ حصدوا المزيد من الخوف من اتساع الرقعة الجغرافية لجماعات أشد وحشية وخطراً من “القاعدة”. لـ”الدولة الإسلامية – داعش” أياد طويلة تضرب ارهاباً عبر الحدود وعبر العالم. تبدي الولايات المتحدة كل عزيمة من أجل دحر هذا التنظيم وتدميره. غير أنها لن تنزلق الى حرب على غرار ما حصل في العراق. نقطة على السطر. هذه حرب العرب على أرضهم قبل أن تصير حرب الأميركيين على أرض غيرهم.
ضغط الرئيس باراك أوباما بشدة لإزاحة الرئيس بشار الأسد. غير أنه رفض منذ البداية أن يزج الجزم الأميركية في هذه المهمة لاعتبارات عدة. اكتفى بتدمير ترسانة الأسلحة الكيميائية. يعتقد الأميركيون الآن أن الرئيس فلاديمير بوتين “ينتصر” في سوريا ولو على حطام. ضغط أيضاً ولكن من دون جدوى ستة أعوام على اسرائيل. لم ينجح في تسجيل اختراق في النزاع القديم. جدار الفصل أوجد واقعاً جديداً ضد الفلسطينيين أصلب من عناد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
قدم الاتفاق النووي مع ايران نموذجاً يمكن الإقتداء به من أجل “الحد” من الإنتشار النووي عبر العالم. غير أنه ساهم في تظهير الخلافات المتزايدة بين الولايات المتحدة وبعض أقدم حلفائها عبر العالم العربي. البعض بدأ يقتنع أن خيارات أميركا قليلة وقدراتها محدودة.