يبدو أن السلطة الوطنية الفلسطينية قررت البدء في تنفيذ “الخطة ب” لإقامة دولة مستقلة لشعب فلسطين على أراضي 1967 وذلك بعدما يئست من “رفض” إسرائيل بنيامين نتنياهو حلّ الدولتين. وتقضي “الخطة ب” بالتوجه إلى مجلس الأمن غداً الأربعاء لطلب التصويت على مشروع قرار إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة في العام المذكور أعلاه.
لكن يبدو في الوقت نفسه أن الحصول على موافقته على الخطة ليس مضموناً. فالولايات المتحدة سوف تبادر إلى ممارسة حق النقض (الفيتو) الأمر الذي يعطّلها ويقضي عليها. ولن يمنعها من ذلك تردي العلاقة بين رئيسها باراك أوباما ورئيس وزراء إسرائيل نتنياهو.
هل يعني ذلك أن عملية السلام على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي سوف تتعطّل؟
طبعاً لا، يجيب باحث أميركي كان له دور مهم يوماً في “المفاوضات” أو في الديبلوماسية. لكن الحركة التي قد تبدأ ستبقى بلا بركة لأسباب عدة. منها أن عملية السلام الشرق الأوسطية سقطت في حفرة عميقة جداً. فالتحالف الإسرائيلي الحاكم ليس مهتماً بالاستمرار فيها. وجهوده الحالية تنصبّ على الإعداد للانتخابات النيابية في 17 آذار المقبل. ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية المنبثقة منها ضعيفتان، وصارت غزة خارج حكمهما، وهما بالكاد يمثلان غالبية الرأي العام الفلسطيني. والولايات المتحدة مشغولة جداً بأزماتها الداخلية، ولا تبدو مهتمة ببذل جهود جديدة لأنها ستغرق في “بالوع” عملية السلام. والشرق الأوسط يتحطّم بحروب شعوبه ودوله، وهو في خضمّ تحوّلات تاريخية في هويته وفي سلطات دوله، وفي إيديولوجيته الدينية.
لكن في الوقت نفسه، يلفت الباحث الأميركي إياه، يشكّل الإحجام عن القيام بأي شيء لمحاولة حلّ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي خطراً كبيراً. ذلك أنه لن يمنع حصول تطورات ذات انعكاسات سلبية على إسرائيل وشعب فلسطين. فالحياة تستمر. والتصرفات السيئة للفلسطينيين والإسرائيليين لا بد أن تجعل المحافظة على الوضع القائم على رغم سوئه متعذّرة، إذ أنها ستجعله أسوأ وبكثير.
ولا يعني الإحجام محاولة تنفيذ ما يسمى “الخطة ب”، وهناك أكثر من واحدة، لأنها تنطلق من خلفيات ومواقف منحازة أساساً للطرفين. فإسرائيلياً هناك خطة بديلة تقضي باعتماد التصرف من طرف واحد. وهناك خطة أخرى تقضي بمبادرة إسرائيل منفردة إلى تحديد نهائي لـ”حدودها”. وهناك خطة ثالثة تقضي بضمّ المنطقة التي تشكل 50 في المئة من مساحة الضفة الغربية. وهناك خطة رابعة تقضي بإقامة سلام اقليمي تنشأ من خلاله دولة فلسطينية بعد تبادل جغرافي وديموغرافي. وهناك خطة خامسة تقضي بتحوُّل الفلسطينيين في أراضي 1967 مواطنين إسرائيليين الأمر الذي يجعلهم مستقبلاً أمراً واقعاً مساوياً ليهود إسرائيل أو متفوِّقاً عليهم.
ماذا يجب أن يحصل إذاً؟
يجيب الباحث الأميركي نفسه، أن أميركا هي الجهة الوحيدة التي عليها أن تحرِّك المسار الفلسطيني – الإسرائيلي ودفع مفاوضاته إلى التوصل إلى نتائج نهائية. ويعني ذلك أن تضع خطتها لحدود التسوية الشاملة، وأن تمارس دوراً مباشراً لا أن تكتفي بدور مذلل العقبات. وهذه الخطة يجب أن تتضمن أربعة عناصر. الأول آراء أميركا في المبادئ التي يجب أن تقود مفاوضات السلام ممثِّلة سياسة أميركا فقط لا الطرفين المتنازعين. والثاني مبادرة أميركا إلى معارضة ومواجهة التصرفات السيئة للطرفين نفسيهما وتحميلهما المسؤولية وعواقب تصرفاتهما. ومن دون ذلك فان الصدقية الأميركية ستتأثر. طبعاً “العواقب” على إسرائيل لن تكون سهلة لأميركا، لذلك يجب أن تكون معدّة جيداً كي لا تنفر الرأي العام الأميركي وتتسبّب بمشكلات داخلية. والثالث وضع أميركا وآخرين استراتيجيا لتفكيك سيطرة الاحتلال على أراضي 1967 التي أصبحت سوقاً مغلقة لإسرائيل. والرابع تشاور أميركا مع العرب لتنشيط أو إحياء المبادرة العربية للسلام (2002). فهي مهمة ومفيدة لإسرائيل عند نهاية عملية السلام. ولذلك على العرب مشاركة أميركا بخطوات تعطي إسرائيل إشارات إيجابية مثل الاشتراك في مجموعات مع إسرائيليين لدرس قضايا الصحة والمياه والاتصالات الديبلوماسية وغيرها.
طبعاً لن يعجب ذلك إسرائيل. وستحرّك الكونغرس الأميركي ضد إدارة أوباما والرأي العام. وستتهم أوباما بالتدخُّل في انتخاباتها العامة. لكن على الأخير أن يكون جازماً وحازماً. فهل يفعل؟