العصبية المذهبية او الطائفية، ليست جديدة على الحياة السياسية في لبنان، ولا على الحياة الاجتماعية، واتفاق الدوحة المشؤوم الذي كرّس مبدأ ان الاقوى في مذهبه او طائفته تفتح له الابواب او يعطّل الوطن، وتتعطل مؤسساته الى ان تتحقق هذه البدعة القاتلة.
ديموقراطية الانتخاب، لا تمارس في لبنان الا في القليل من الاستحقاقات الهامشية، اما الاستحقاقات الاساسية فلها حسابات اخرى، يترجمها احياناً منطق التعطيل، واحياناً منطق التظاهر المخرّب، واحياناً منطق الصراع الطائفي او المذهبي، وأود في هذه المناسبة ان اعود مع القارئ الى سنة 1973، عندما كان لبنان يغلي بالوجود الفلسطيني المسلّح، وتغطيته مذهبياً من فريق لبناني، او ايديولوجياً من فريق يساري، فعمد سنتها الرئيس سليمان فرنجية الى تكليف الدكتور النائب امين الحافظ تشكيل الحكومة، بعدما تعذّر عليه التعاون مع رؤساء الحكومة مثل رشيد كرامي وصائب سلام وعبد الله اليافي، وعلى الرغم من الخلافات التاريخية بين هؤلاء الرؤساء، تحالفوا مع بعضهم بعضاً ومع الشارع ومع رجال الدين ضد تكليف الحافظ، وهو كما اعرفه ويعرفه جميع من عاصروا تلك الفترة، انسان خلوق، نظيف الكف، آدمي، مثقف، وطني، جريمته انه ليس عضواً في نادي رؤساء الحكومة من جهة، وهو نائب على لائحة رشيد كرامي من جهة ثانية، ولم يستطع الحافظ بسبب المقاطعة من تشكيل حكومته وحتى الوصول الى مجلس النواب، فاعتذر، وبعد سنتين اندلعت الحرب في لبنان واكلت الاخضر واليابس ودمّرت لبنان وخلّفت مئات الاف القتلى والجرحى والمعوقين.
حالة امين الحافظ قد لا تشبه في الشكل، حالة حسّان دياب الذي كلّف تشكيل الحكومة، لكنها في مضمونها المذهبي والطائفي تشبه كثيراً حالة امين الحافظ، وانا بكل صراحة كنت اتمنى ان يشكل سعد الحريري الحكومة المقبلة لا لانه الاقوى في طائفته، بل لانه الانسب في طائفته، فهو ارتكب اخطاء وتعلم منها، وانفتح على انتفاضة الشعب، وتعلّم منها، ويملك علاقات مع الخارج شخصية ومالية تساعده على وقف انهيار لبنان، ويملك الشخصية المحببة والمعدن الطيّب، وهو قدّم للتيار الوطني الحر، واحياناً كثيرة على حساب تياره، وحلفائه، ولم يحصل سوى على رئاسة حكومة مهددة منذ تشكيلها بالنزاعات والخلافات والتعالي والفرض وبالتخلي عنه مؤخرا.
***
بالعودة الى رئيس الحكومة المكلّف حسّان دياب، يمكن القول بصدق انه قد يكون اكاديمي وطيّب، ولكنه قطعاً ليس رجل هذه المرحلة الصعبة، حتى ولو تعاون معه الجميع، فكيف والامور تتجه بسرعة الى حكومة من لون واحد، هو لون 8 آذار، خصوصاً بعد رفض تيار المستقبل، والقوات اللبنانية، والكتائب اللبنانية، والتقدمي الاشتراكي وبعض المنفردين، المشاركة في الحكم، وامتناع شباب الانتفاضة حتى من الاجتماع به، ورفضه من بيئته على طريقة فرضه فرضاً اولاً، ولانه ليس الانسب ثانياً لهذا المنصب المهم جداً.
لو تراجع حساباتك يا دكتور حسان، تتأكد ان الشعب على حق.