IMLebanon

العرب “زبَلوا” لبنان في عَمّان: مصيرُ المتسوِّل!

 

 

يُخشى أن يكون لبنان على وشك إضاعة فرصة محتملة لمعالجة وضع النازحين السوريين على أرضه، كما أضاع قبل أشهر فرصة البدء في استثمار الغاز، على أرض الواقع لا على الورق!

يقول ديبلوماسي عربي، إنّ المملكة العربية السعودية حرصت على جعل عودة سوريا إلى الجامعة العربية محط إجماع عربي، خصوصاً بعدما ارتفعت أصوات عربية تطالب بتعهّد الرئيس بشار الأسد التزام سلّةٍ من التعهدات داخلية وعربية، مقابل التطبيع وإطلاق ورشة إعمار سوريا. وبناءً على هذا التشاور، يتمّ اتخاذ قرار في ما يتعلق بحضور الأسد قمة الرياض المقرّر عقدها في 19 أيار.

وتركيبة اجتماع عمّان، على مستوى وزراء الخارجية، تقدّم مؤشراً إلى الأهداف المراد بلوغها، إذ هو يضمّ السعودية وسوريا، ومعهما مصر والأردن والعراق. فالسعوديون والمصريون يتولون النقاش في موقع سوريا العربي وارتباط ذلك بالتسوية السياسية في الداخل السوري. وأما الأردنيون والعراقيون، فتركيزهم ينصبّ على ملف النازحين. وفي الخلاصة، هذه التركيبة هي استكمال لاجتماع جدة، قبل أسبوعين، مضافاً إليها وزير خارجية سوريا. وفي الاجتماعين يغيب لبنان الذي يُفترض أنّه معني بملف النزوح السوري أكثر من الأردن والعراق وسائر الدول العربية مجتمعة.

 

وعلى الأرجح، الصورة التي تكوّنت في اجتماع عمان هي أنّ على الأسد التزام 4 تعهدات قبل إقرار التطبيع والإعمار:

1- التزام دمشق سياسة متوازنة في محيطها العربي، أي أن تنأى بنفسها عن إيران.

2- وقوفها ضدّ أي نشاط سياسي أو أمني يسيء إلى أي دولة عربية، ولاسيما المملكة العربية السعودية.

3- إستكمال التسوية السياسية في الداخل السوري، بإتاحة دور لقوى المعارضة في السلطة.

4- إقرار خطة لإعادة النازحين السوريين إلى ديارهم. وهذه النقطة الأخيرة هي الدافع إلى عقد الاجتماع في الأردن. فعمّان تعتبر أنّ أمامها فرصة نادرة للتخلّص من عبء النازحين.

 

 

ليست هناك أرقام دقيقة للعدد الشامل للنازحين السوريين. ولكن، في الإجمال، يتمّ تقديرهم بنحو 13 مليوناً، ينقسمون بين 5.5 ملايين نازح داخل الأراضي السورية و6.5 ملايين نازح خارجها. ومعظم هؤلاء يتوزعون على 4 دول مجاورة. وتتفاوت التقديرات في لبنان بسبب فوضى العبور والنزوح والالتباس بين صفات النازح والعامل والمقيم. لكن الأرقام التقريبية هي الآتية:

– تركيا: نحو 3.5 ملايين.

– لبنان: قرابة مليونين وربع المليون.

الأردن: أقل من مليون.

العراق: قرابة ربع مليون.

حتى اليوم، تحمّلت الدول الأربع أعباء النازحين، ولكن عليها الاعتراف بأنّها حصلت أيضاً على الأموال باسمهم. وكان الأتراك والأردنيون بارعين في تحصيل المساعدات الدولية لمصلحة الدولة في كل منهما.

 

وأما في لبنان، فكان طاقم السلطة بارعاً في استثمار المساعدات ضمن لعبة الفساد المعروفة. فكما استولى على ودائع اللبنانيين وأفرغ الدولة من الأموال وتصرّف بالمساعدات المخصّصة للبنانيين بطريقة ملتبسة، بديهي أن يتصرف بما يصل إلى يديه من أموال النازحين.

كان سلوك هذا الطاقم يدعو إلى الشكّ، منذ اللحظة الأولى. فعندما كانت أعداد النازحين لا تتجاوز عشرات الآلاف، تُرِكت المعابر الشرعية وغير الشرعية مفتوحة بلا ضوابط، ما سمح بتدفق يومي لعشرات الآلاف أحياناً، ولم يحرّك أحد ساكناً.

 

وعندما جرى تداول الأفكار لضبط عمليات التدفق، أو بناء مخيماتٍ على الحدود مثلاً، تمّ رفضها. وفضّل البعض أن يندمج النازحون في النسيج الاجتماعي اللبناني بالكامل، ومن دون ضوابط أو قيود.

 

وقيل يومذاك، إنّ هناك انقساماً حول ملف النازحين السوريين كما كان قبل عقود- وما زال- حول ملف النازحين الفلسطينيين. والأنكى أنّه اتخذ طابع الصراع بين العنوانين «الإنساني» و«العنصري»، لكنه في العمق محض طائفي ومذهبي.

وعندما وُضِعت قيد النقاش مسألة الاتصال بحكومة الأسد لمناقشة هذا الملف، انقسم اللبنانيون بين مَن يريد الاعتراف بالنظام ومَن لا يريد… وبين قائل بجدوى الاتصال وقائل بعدم جدواه. وهذا تماماً ما جرى في مسألة مزارع شبعا وترسيم الحدود البرية، وفي مسألة ترسيم الحدود البحرية في الحقل المشترك شمالاً.

لذلك، قوى السلطة تتحمّل اليوم مسؤولية الوصول بملف النازحين إلى النقطة الخانقة، كما المسؤولية عن الوصول بالملفات الداخلية كلها إلى الانهيار. واليوم، وفيما كان حضور لبنان اجتماع عمان مسألة حيوية ليكون مشاركاً في القرار، يجري إغراق اللبنانيين في حملات تحريض مشبوهة في هذا الملف الحساس، بعيداً من حسابات العقل البارد، فيما الآخرون يتفرّغون لاتخاذ القرار عن لبنان.

 

واستبعاد لبنان عن الاجتماع يمكن اعتباره من العلامات السيئة، إذ يعني أنّ العرب «زبَلوا» لبنان «القاصر» والذي يتعثر في كل أزماته. فلبنان جعل من نفسه مادة على الطاولة، لا شريكاً في القرار حولها. وفي أي حال، قد لا يروق لسوريا أن يجلس لبنان إلى طاولة مخصّصة للبحث في مستقبلها.

 

صورة لبنان في العالم العربي هو أنّه يستجدي الحلول والأموال. ويبدأ الأمر بملف النازحين ليسري على كل الملفات. وليس مستغرباً أن يتعاطى معه العرب والعالم بهذا الشكل. فهذه نهاية التسوُّل ومصير المستَجْدي كلَّ شيء، حتى رئاسة جمهوريته ورئاسة حكومته وتعيين موظفيه.

 

وعلى الأرجح، يرفع مسؤولو لبنان أصواتهم اليوم، مطالبين بمعالجة أزمة النزوح على أرضه، ليس لأنّهم استيقظوا على مخاطر انهيار لبنان اقتصادياً واجتماعياً وديموغرافياً، بتأثير من هذا النزوح، بل لأنّهم يريدون الاستمرار في استثمار الملف لمصالحهم الضيّقة.

 

أي إنّ هؤلاء يريدون أن يَفتح العرب لهم حنفية المال التي لطالما استرزقوا بها تحت عنوان النازحين. وقوى السلطة تبدو اليوم مستعدة لفعل أي شيء من أجل الحصول على المال، وإطالة مدة التحمّل في هذا الانهيار، انتظاراً لتسوية سياسية قد تأتي من مكان ما، وتحلّ الأزمة المالية التي يتخبّط فيها لبنان، من أساسها.

 

ويتحرّك اليوم ملف النزوح السوري فجأة، لأنّ الجميع يستشعر اقتراب التسويات أو الصفقات، في سوريا أو حولها. وورقة النزوح «وازنة جداً»، حتى إنّها قد تتكفل بإحداث متغيّرات عميقة في دول وكيانات في الشرق الأوسط، ولاسيما لبنان والأردن، إذا لم تعالج في الشكل المناسب.

فهل يتدبّر الأردن رأسه، ليسقط لبنان المذلول تحت وطأة الأزمة؟