IMLebanon

الحريري يستعجل العفو العام… وعون يدرس العفو الخاص

 

من بوابة الخوف من انتشار وباء “كورونا” داخل السجون عاد ملف العفو العام ليشكل مادة استثمار في السياسة قبل اي اعتبارات اخرى. الملف العقيم والعصي على المعالجة لاتصاله بملف الاسلاميين ممن ارتكب بعضهم جرائم ارهابية، وكبار تجار المخدرات، ألقى به رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في وجه حكومة الرئيس حسان دياب ككرة لهب يمكن ان تحرجه على الساحة السنية.

 

يوم زاره وفد من اهالي الموقوفين عام 2017، وعد الحريري بقرب صدور قانون العفو العام الذي يعمل على إقراره مع رئيس الجمهورية في مهلة زمنية لا تتجاوز الشهرين كحد أقصى، قاطعاً الوعد بأن يشمل العفو العام القسم الأكبر من السجناء الإسلاميين، مع استفادة من لا يشملهم العفو من هذا القانون، وذلك عبر تخفيض العقوبات. لكن الملف بقي معلقاً رغم تحرك الاهالي واعتصاماتهم المتكررة امام قصر العدل.

 

ومع انطلاق الحراك الشعبي في 17 تشرين الأول 2019، أورد الحريري، ضمن بنود ورقته الإصلاحية، بنداً يتضمن العمل على اقرار مشروع قانون العفو العام بمهلة اقصاها نهاية العام الفائت. كان المقصود ان يمتص مثل هذا الإقتراح الشارع السني في الحراك فيساعد في صمود الحريري وحكومته امام غضب الشارع. لكن مع استقالة الحكومة لم يكن ممكناً إصداره بمرسوم، فأرسلته رئاسة الحكومة الى ادارة المجلس النيابي مع قوانين أخرى لاجل التقدم بها كاقتراحات قوانين، وحين اجتمعت هيئة مكتب مجلس النواب للبحث في جدول اعمال الجلسة ومن بينها القوانين التي اعدتها اللجان الوزارية، قررت ادراج قانون العفو كإقتراح مُعجّل مُكرّر في جدول أعمال الجلسة التشريعيّة في 12 تشرين الثاني الفائت للاسراع في اصداره على ان يتم توقيعه من عدد من النواب. لكن الجلسة أرجئت آنذاك لعدم اكتمال النصاب.

 

تراكمت الاحداث وتعاقبت حتى صار الملف طي النسيان الى ان عاد ليدخل مجدداً من باب المزايدة السياسية. ففي زمن الازمة المالية، وتفشي الكورونا، أثار رئيس الحكومة السابق وفي معرض التعليق على الاقتراح بالعفو عن الذين تنتهي محكوميتهم بعد ستة أشهر لتخفيف الاكتظاظ في السجون “مصير مئات المساجين الاسلاميين الذين يدفعون ثمن التباطؤ في المحاكمات او يرزحون تحت قبضة التوقيف الاحتياطي منذ سنوات”. معتبراً أن “هؤلاء أولى بالعفو في زمن الكورونا”، وأن “العفو العام بات مطلباً ملحاً يتقدّم على الحسابات الضيقة والكيل بمكاييل سياسية لم تعد مقبولة”. وترافق موقف الحريري، مع تقدم كتلة “المستقبل” النيابية ممثلة برئيستها النائبة بهية الحريري من المجلس النيابي، باقتراح قانون معجل مكرّر بمنح عفو عام عن بعض الجرائم. فهل يمكن إقرار عفو عام في الظروف الراهنة؟

 

خلال زيارتها فاتحت وزيرة العدل ماري كلود نجم رئيس الجمهورية ميشال عون بموضوع السجون وما يمكن القيام به من خطوات هدفها معالجة الاكتظاظ داخل السجون لا سيما بعد انتشار كورونا. طلب منها الرئيس درس الحالات، كل على حدة ليتم القيام بالاجراءات وفق الاصول القانونية. وتقول المصادر ان رئيس الجمهورية لا يمانع إصدار قانون عفو خاص عن فئات محددة من المساجين ولكن بعد ان تتم دراسة الملفات من اللجنة القضائية المختصة وإطلاع مجلس القضاء الاعلى للتأكد من استيفائها الشروط.

 

وعلم ان وزيرة العدل طلبت ملفاً كاملاً عن اوضاع المساجين وسنوات محكوميتهم لمراجعته، وان الاتجاه يسير نحو عفو خاص ينحصر بالإفراج التدريجي، وعلى دفعات عن فئات عدة من السجناء من بينهم:

 

– سجناء أنهوا محكوميتهم لكنهم لم يدفعوا الكفالات والرسوم المالية المطلوبة لإتمام أوراق خروجهم.

 

– سجناء أمضوا سنوات محكوميتهم من دون إثارة أيّ نوع من المشاكل، ولم يتبق لاطلاق سراحهم الا أشهرا قليلة.

 

– موقوفون تخطوا مدد توقيفهم القانونية، أو متورطون بجنح صغيرة أو اولئك المتورطون بجنايات لا تتجاوز عقوبتها العام الواحد. وتشير المعلومات الى ان مجمل عدد الملفات المنوي البت بها قد يفوق التسعة آلاف سجين ما يساهم في حل جزء من مشكلة السجون.

 

عامل آخر مساعد تمثل في الخطوة التي اعتمدتها وزيرة العدل من خلال اعتماد الإستجوابات عن بعد بواسطة الوسائل الإلكترونية، والذي مثل اجتهاداً في القانون وخطوة من شأنها ان تعجل في البت في ملفات قضائية بقيت مؤجلة لسنوات ولم تصدر بشأنها احكام.

 

في الرد على موقف الحريري ثمة من يستغرب في صفوف خصومه كيف ان “تيار المستقبل” الذي تسلم رئاسة الحكومة مرات متتالية، وكانت وزارة العدل كما الداخلية من حصته الوزارية، لم يقترح العفو العام ليتولى طرحه اليوم ككرة نار ملتهبة هدفها احراج رئيس الحكومة حسان دياب سنياً. يدرك الحريري ان مثل هذا القانون قوبل بخلاف سياسي بالنظر لما يعتريه من شمولية قد تطاول الموقوفين الاسلاميين المتهمين بقتل عسكريين، وأن رئيس الجمهورية لن يوقع اي عفو من شأنه ان يشمل هذه الفئات من المتهمين.

 

ويقول أحد المطلعين على هذا الملف إنّ هناك ثمة حساسية داخلية وخارجية فيه، من جهة مع وجود موقوفين غير لبنانيين لا ترغب دولهم بالإفراج عنهم واستردادهم، ومن جهة ثانية لا يزال قانون العفو العام خطاً أحمر داخلياً لا يمكن لرئيس الجمهورية أن يوقعه وهو مستمر بوصفه موضوعاً خلافياً على أكثر من مستوى.