أعدم سجناء رومية كلّ السُّبل في محاولة للضغط لإقرار العفو العام. حاولوا ما استطاعوا لاستعطاف السياسيين والناس. علّقوا مشانقهم، مهددين بالانتحار وقطّبوا شفاههم معلنين الإضراب المفتوح عن الطعام، لكنّ أياً من ذلك لم يشفع لهم. هددوا بالتمرّد وبإحراق السجن وصعّد ذووهم في الشارع بقطع الطرقات، لكنّ أحداً لم يكترث لهم. بانسيابية معتادة، دقّ الرئيس نبيه بري مطرقته ليرفع الجلسة التشريعية إثر فقدان النصاب، بعد افتتاحها وعلى جدول أعمالها قانون العفو العام. قبله، جاء كلام نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي ليُحبط آمال السجناء بالقول: «ما في عفو… يشيلوا العفو من راسن». غير أنّ السجناء لا يزالون يبحثون عن أمل، علّهم يحصلون على فرصة جديدة ليبدأوا. استطلعت «الأخبار» حال السجناء قبل الجلسة وبعدها. سلسلة اتصالات مع عشرات السجناء في اليوم السابق للجلسة بيّنت أنه على الرغم من المؤشرات السلبية التي كان يلمسها السجناء بشأن ما يُسرّب في وسائل الإعلام، إلا أنّهم كانوا يرفعون أيديهم بالدعاء ليتّفق أهل السياسة على تسوية تُخرجهم من الجحيم الذي يعيشون فيه. طابع المحادثة مع كل سجين كان عاطفياً بحيث يستذكر كلٌّ منهم عائلته. هذا يتحدث عن ابنته التي لم يرها منذ أشهر طويلة. وذاك يدعو الله إلى أن يخرج ليقبّل والدته قبل أن تفارقها الروح بسبب المرض الذي ينهش جسدها. سجينٌ يتحدث عن التعب الذي أرهقه وأرهق عائلته بسبب سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية. وآخر يرجو ألا تكون هناك استثناءات ليخرج الجميع من القبر الذين يعيشون فيه. حال السجناء قبل الجلسة كان أفضل منه بعدها. إذ إنّ الأمل الذي كان يُغلّف أصواتهم المنطلقة عبر سماعة الهاتف خبا قليلاً، لكنه لم ينطفئ. صاروا يُمنّون النفس بأن يحمل التأخير خيراً لهم ولعائلاتهم، على الرغم من أن بعضهم بات يُفكّر بخطوات تصعيدية ضد إدارة السجن أو عبر وسائل الإعلام. يسأل أحدهم عن نصيحة لحدثٍ يمكن ترتيبه داخل السجن يمكن أن يُشكّل نقطة تحوّل في التعامل معهم. ببساطة، «حال السجن سيئ من دون كورونا، فما بالك سيكون الحال مع تفشّي هذا الفيروس؟» تساؤلٌ يطرحه أحد سجناء «مبنى ب»، المشهور بمبنى الإرهاب. يقول هذا السجين لـ«الأخبار» إنّ هناك غرفة تُسمى زوراً صيدلية لوجود بضعة رفوف وُضعت فوقها أدوية، لكنّها لا تختلف عن أي صيدلية، لكن من تلك الموجودة في المنازل. ما يُدلي به هذا السجين، يؤكده الشيخ خالد حُبلص المسؤول عن المبنى «ب» في اتصال مع «الأخبار» ليكشف بأنّ أدوية الأمراض المُزمنة فُقدت من الصيدلية. يضيف إنّ أدوية الضغط غير موجودة، متحدثاً عن معاناة طويلة يعيشها طالب الدواء الذي يُفاجأ بإبلاغه أنّ الدواء غير موجود ليبدأ رحلة معاناة جديدة للحصول على وصفة خارجية مع كل إجراءاتها التي تستغرق وقتاً طويلاً تعيش خلالها من دون دواء مهما كان لذلك خطرٌ على صحّتك. حُبلص الذي كان من بين السجناء الذين أُصيبوا بفيروس كورونا يتحدث عن تجربته في العزل، كاشفاً عن نوعين من العزل يُعتمد في السجن المركزي. الأول عبارة عن غُرفة عزلٍ يُحجر فيها ٦ أو ٧ سجناء مصابين مع بعضهم البعض. والثاني زنازين انفرادية تحت الأرض يُترك فيها المريض ليعطى حبة دواء «لوجع الرأس» كل ست ساعات. يؤكد حبلص أنّ التغذية في الحجر سيئة، علماً بأن زيارات الأهل ممنوعة بسبب تفشّي الفيروس، كاشفاً عن أنّ بعض السجناء المحتجين على الدواء والطعام كانوا يتعرّضون للضرب من قبل العناصر الأمنية. يقول حبلص إنّ الفحوص الطبية كشفت وجود ٣٦٠ مصاباً بكورونا، إلا أنّ الإجراءات المتخذة لم تكن بالمستوى المطلوب. سجينٌ آخر يرى أنّ «لطف الله بالمبنى» حال دون حصول مصيبة جراء انتشار كورونا، متحدثاً عن معاناة السجناء طوال ١٤ يوماً في الحجر في مبنى ذوي الخصوصية الأمنية. يقول هذا السجين إنّهم كانوا يتعرّضون للإهانات، رغم أنّهم كانوا في حالة صحية صعبة، مناشداً منظمة الصحة العالمية التدخّل للإشراف على مصابي كورونا في السجن.
حال السجناء يزداد سوءاً. معنوياتهم منخفضة، رغم محاولاتهم رفعها. يعلمون أنّهم ينتظرون «مُعجزة»، على الرغم من اقتناعهم بأنّ مقياسهم المنطقي للأمور لا تشوبه مبالغة. فلبنان يعيش في الحضيض. نسب الفقر مرتفعة. البطالة طالت معظم عائلاته. القدرة الشرائية للعملة اللبنانية صارت «بالأرض». الانتفاضة ضربت صورة «الزعماء والمسؤولين». فلماذا لا يزال هؤلاء يغصّون ببضعة آلاف من السجناء الذين لن يُقدموا أو يؤخروا على «صورة الوطن» التي يزعمون الخوف عليها؟ ولماذا يرفض أهل السياسة منح فرصة جديدة للفئة الأضعف في المجتمع؟