IMLebanon

هوكشتاين يطارد “أشباح سيناريوهات” لبنانية وإسرائيلية؟!

 

 

قد يستغرب البعض الحديث عن تَمايز ملحوظ بين واشنطن وتل أبيب في مواقفهما من أزمة الطاقة ومصير مهمة موفدها عاموس هوكشتاين الى المنطقة، والتي وضعته في مواجهة مع سيناريوهات توحي بها أشباح لا أسماء اقترحتها ولا مواقع رسمية أوحَت بها، الى ان نسبت الى مخيّلات واسعة تحدثت عن وسطاء مُفترضين منهم خليجيّون، بحثاً عن أدوار لأطراف لا يمكن ان تعطّل اي مشروع بهذا الحجم. وعليه، ما الذي يعنيه هذا الكلام؟

قبل أن يعود عاموس هوكشتاين الى المنطقة بناء لطلب لبنان في أعقاب دخول سفينة الإنتاج «اينيرجين باور» الى حقل كاريش مطلع الشهر عينه، كانت كل المعلومات تتحدث بأنّ مهمته قد جمدت وانّ هناك تواطؤا بين تل ابيب وواشنطن من اجل فرض أمر واقع جديد في المنطقة كَرّسته السفينة اليونانية في مهمتها الجديدة من اجل استخراج الغاز والنفط وتسويقه. وتزامنت هذه الإيحاءات مع التأكيد بأنّ هذه الخطوة لا يجب ان تشكّل مفاجأة او تثير اي ضجة، فقد كانت مُبرمجة من ضمن خطة اعلنت عنها اسرائيل قبل سنوات عندما كشفت عن مشروع بنائها في مكان ما في الشرق الأدنى وقد استغرقت العملية ثلاث سنوات، وسبق لهوكشتاين ان ابلغ اللبنانيين بموعد وصولها قبل عام.

 

كان ذلك قبل ان تترافق هذه الخطوة مع التحرك الجديد لهوكشتاين وزيارته بيروت مُستطلعاً المواقف من إمكان مواصلة مساعيه لترسيم الحدود على وقع التحضيرات التي كانت قد أنجزت للتوقيع الثلاثي الأطراف بين إسرائيل ومصر والمفوضية الأوروبية ممثّلة برئيستها أورسولا فون دير لاين في 16 حزيران الماضي على هامش مؤتمر للطاقة عُقد في القاهرة، لتزويد أوروبا بما تحتاجه من الغاز مطلع الخريف المقبل في مواجهة النقص الحاد من الغاز الروسي بعد غزو اوكرانيا وما استَجرته العملية من ردات فعل سلبية.

 

وفي ظل هذه المعطيات الاولية برزت خطوات اميركية أكثر جدية، فقد كان هوكشتاين عضوا فاعلا ومؤثرا في الوفد الاميركي الذي رافق الرئيس جو بايدن الى اسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية والرياض، وشاركَ في فعاليات قمة جدة العربية – الاميركية – الخليجية بصفته باحثاً عن بدائل الغاز الروسي وليس لسبب آخر. وهو ما جعلته يُسارِع الى ترتيب التفاهمات بين لبنان واسرائيل على قاعدة كيفية تكريس «الخط المتعرج» الذي اقترحه، آخذاً بعين الاعتبار الحاجة الى ترسيم خط فوق الماء وساعياً الى توأمته مع البحث عن شكل وكيفية توزيع الأحواض في المنطقة المتنازَع عليها بين الدولتين، وهو ما انتهت اليه مهمته بقبول لبنان بما قبل به من هذا الخط، مُتنازِلاً ولو مؤقتاً عن الخط 29 بعدما اعتبره رئيس الجمهورية خطأ للتفاوض.

 

على هذه الخلفيات، كشفت مصادر ديبلوماسية وسياسية عليمة بأنّ هوكشتاين الذي عبّر عن ارتياحه لحسم لبنان موقفه المتجاوب معه، فوجّه اكثر من دعوة الى الجانبين اللبناني والإسرائيلي الى عدم الاخذ بأيّ من السيناريوهات الاعلامية التي تسرّبت في الدولتين في ظل الصراعات الداخلية، وانه عليهما عدم الاخذ سوى بما يقدمه على الورق ومن هنا كان حرصه على إبقاء إثنين من فريق عمله في بعبدا ليعملا مع الفريق اللبناني المتخصّص لنقل وجهة نظر لبنان الدقيقة وصياغة الاقتراحات كما انتهت اليها اجتماعات قصر بعبدا مع رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي والحكومة، وما عبّرا عنه من موقف جامع لا يقبل اي تفسير قبل ان يعود من تل أبيب بالموقف الرسمي وبالصيغة عينها التي حملها من لبنان.

 

ولذلك طرح السؤال: ما الذي يعنيه هذا الموقف الاميركي؟

 

تقول المراجع المعنية التي رفضت التعليق على أيّ من المعلومات غير الرسمية التي تسرّبت ونشرت في بيروت وتل ابيب وبعض وسائل الإعلام الدولية ان هوكشتاين كان واضحا وحريصا على ألا يأخذ لبنان اي موقف منها. مهما تعددت اشكالها، ففي كلا البلدين هناك من يريد الاستثمار في المفاوضات. ففي تل ابيب مشاريع لفبركة خطط لا تتلاقى والموقف الرسمي ايضاً سواء من اجل التلاعب بالرأي العام في الداخل والخارج وجَر اللبنانيين الى مواقف تُسيء الى وحدة موقفهم، وكل ذلك ليكون في خدمة المعارضة الإسرائيلية في نزاعها الانتخابي بعدما اقتربت البلاد من مدارها واتهام الحكومة بأنها فرّطَت بحقوق الدولة العبرية من قبل السّاعين للعودة الى السلطة والذين تحكموا بالملف طيلة السنوات العشر الاخيرة، والتي لم تنته الى ما يمكن ان تنتهي اليه مفاوضات اليوم.

 

وعليه، دعت التقارير الديبلوماسية الى عدم إعطاء الاهمية لأي من السيناريوهات المتداولة والمسرّبة من اي جهة كانت، ولأكثر من سبب، أبرزها أنها «ملغومة» ويعبّر بعضها عن مجموعة من «الرغبات» لا المعلومات ولا مصدر ولا صفة رسمية لأصحابها. ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الكلام الإسرائيلي عن مطلب حكومي بوجود منصة نفطية لبنانية للرد باتجاهها ان استهدفت منصة كاريش قبل ان تتصاعد التهديدات تارة بتدمير الضاحية الجنوبية او اهداف اخرى للحزب وللحكومة اللبنانية. وقد بلغت السخرية التي واكبت هذه السيناريوهات مَداها عند القول انه لا يمكن لإسرائيل ان تستهدف ما ليس متوفّراً في لبنان كالكهرباء والماء، ولا ضرورة لتدمير محطاتها ومنشآتها.

 

وفي المقابل فقد اختارت المراجع الديبلوماسية التي تتابع المساعي الاميركية بقنواتها المباشرة معها من دون اي وسيط بعضاً من السيناريوهات التي حفلت بها الصحافة اللبنانية وتوقفت امام البعض منها، كتلك التي راجَت في الساعات الماضية عن وسيط خليجي نقل رسالة اسرائيلية الى «حزب الله» بوجود نية لديها بإعطاء لبنان كامل مطالبه وانّ هناك شرطا وحيدا يتحدث عن انشغال اسرائيل بأحداث غزة والتحضير للانتخابات التشريعية وتأجيل البحث بالموقف من الترسيم مع لبنان الى ما بعد الانتخابات النيابية. وقد سخرت هذه المراجع من هذه الرواية وقالت ان الكويت لم تتدخل يوماً في الوساطة مع العدو الصهيوني وقد تكون الدولة الخليجية الوحيدة التي لا صلات لها بإسرائيل حتى بعد مرحلة التطبيع بموجب «تفاهمات ابراهام» التي دخلتها دول خليجية، ولربما كان اختيار الكويت سبباً للتعبير مُسبقاً عن «الخفة» في التعاطي مع ملف بهذا الحجم.

 

وبمعزل عن هذه المعطيات وما يرافقها من تسريبات شبيهة، فقد شددت المراجع الديبلوماسية على ضرورة انتظار ما سيقوله هوكشتاين وان صَحّت المعلومات انه انتقل في الساعات القليلة الى تل ابيب، فإنه ليس مُستغرباً. فالبرنامج الاميركي الذي رسمَ للمفاوضات سيبقى كما هو. ولكل من يرغب بالبحث عن دور ما ان يفهم انّ هوكشتاين شَدّد منذ عودته الى المنطقة على ضرورة إطلاق المفاوضات في آب والتفاهم في ايلول، عليه أن يفهم أنّ برامج تغذية الدول الحليفة لها بالطاقة لا يمكن تعديلها. لذلك، فإنّ الحديث عن أدوار «للمسيّرات» التي أطلقها «حزب الله» وانشغال اسرائيل بالحرب على غزة التي طويت في ثلاثة ايام وبالانتخابات التشريعية، مجرّد سيناريوهات «لأشباح سياسية وإعلامية» يطاردها هوكشتاين لأنها لا تبرّر ان تنتهي مهمة هوكشتاين الى الفشل، وهي نظرية لن يطول الوقت لنَفيها او التثبّت منها.