Site icon IMLebanon

هوكشتاين: ما في الحقول الغميقة لا «تحميه» خطوط سطحية؟!

 

في انتظار عودة رئيس الوفد الاميركي الى المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود مع اسرائيل عاموس هوكشتاين إلى بيروت، تتعدد السيناريوهات المحتملة حول مستقبل هذه المفاوضات، واستطلاع المرحلة التي تلي الكشف عن الموقف الاسرائيلي، إن حصل اي تحول مما هو مطروح من الجانبين اللبناني والأميركي. وابرزها، القول انّ ما تحت الأرض من ثروات يمكن اقتسامه من دون خطوط سطحية. فكيف يمكن التوصل الى شرح هذه النظرية؟

منذ عودة كبير الخبراء الاميركيين في الشؤون النفطية عاموس هوكشتاين الى المنطقة رئيساً للفريق الأميركي الوسيط المسهّل للمفاوضات اللبنانية ـ الإسرائيلية غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية معها خلفاً للسفير جون دوروشيه، أعادت الأوساط المعنية بالملف تاريخ الرجل وما له من مقترحات رافقت قيامه بالمهمة عينها، والتي حكمتها ظروف مختلفة عن تلك التي رافقت التوصل الى «اتفاق الإطار» الذي أعلن عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري في 1 تشرين الاول من العام الماضي، نتيجة المفاوضات التي امتدت طوال 8 سنوات منذ العام 2012، مروراً بجولات التفاوض المتقطعة قي مقر قيادة القوات الدولية في الناقورة، من دون التوصل الى اي صيغة نهائية تضمن المنطقة الاقتصادية لكل منهما.

 

وطالما انّ الشركات الدولية الكبرى المتخصصة في هذا القطاع لا تقوم بأي عمل من هذا النوع قبل ضمان الاستقرار في المنطقة، فما تسخّره من استثمارات وما تستخدمه من معدات تُقدّر قيمتها بالمليارات من الدولارات، لا يمكن ان تعمل في مثل هذه الأجواء غير المستقرة، والتجارب الدولية متعددة ولا يتسع المقال للإشارة اليها. وعليه، فإنّ السعي الى مثل هذا التفاهم بين الطرفين بات يشكّل إشارة الى ساعة الصفر التي ستسمح بمثل هذه الأعمال على جانبي المنطقة الاقتصادية لكل من الجانبين. عدا عن المخاطر التي تتسبب بها حالة العداء بين لبنان واسرائيل، وترفع منسوب المخاطر حول اي عمل تقوم به اي شركة في تلك المنطقة.

 

ولذلك، وعلى الرغم من الإعلان الإسرائيلي عن العقد الموقّع مع الشركة الاميركية «هاليبرتون» نهاية الصيف الماضي، للبدء بالحفر شمال حقلها «كاريش» في المنطقة الواقعة عند الطرف الشمالي للبلوك الرقم 72 الاسرائيلي المواجه للبلوك الرقم 9 الخاص بلبنان، فإنّ الحديث عن موعد لبدء العمل دونه مصاعب جمّة في ظل أجواء الاحتقان التي يمكن ان تتسبب بها اي عملية من الجانب الاسرائيلي. وخصوصاً إن اعتُبر ما يجري من الجانب اللبناني اعتداء على مصالحه الاقتصادية الحيوية، لمجرد ان يطاول حقل «قانا» المكتشف الممتد جنوباً ليطاول الجزء الشمالي من حقل «كاريش»، بموجب ما يوفّره الخط الرقم 29 من معطيات جديدة عملاً بما يقول به «قانون البحار» والمواثيق الدولية، بما لا يرقى اليه اي شك لأسباب عدة تقنية وحسابية لا يمكن دحضها بسهولة.

 

وأمام الواقع الجديد الذي تسبب به الرفض الاسرائيلي للخط 29، ووقوف الجانب الاميركي على الحياد، مكتفياً بتجميد المفاوضات قبل ان تُعقد الجلسة الخامسة في الخامس من أيار الماضي، فقد تغيّرت معطيات عدة. فدوروشيه لم يقدّم اي اقتراح بديل، واكتفى بجولة مكوكية بين بيروت وتل ابيب، من دون ان تنتهي الى ما يحيي مواعيدها، قبل ان تنتهي ولايته مع مغادرة الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض وتكليفه مهمة ديبلوماسية جديدة في قطر، قبل ان يخلفه هوكشتاين. وهنا تجدّد الحديث عمّا لديه من سيناريوهات لإدارة المفاوضات بطريقة مختلفة عن اسلافه، وسبق له ان جاهر بها في اكثر من مناسبة في ظل عمل اسلافه الاربعة، ديفيد ساترفيلد، ديفيد هيل، ديفيد شينكر وجون دوروشيه .

 

وإن عدنا الى تلك المرحلة، يتبين انّ اقتراحات هوكشتاين تختلف في شكلها ومضمونها عن تلك التي اعتمدها سابقوه، ولا سيما أنّه يقترح وقف النقاش والجدل القائم حول اي من الخطوط المعلن عنها، من «خط هوف» الشهير الى «الخط 23» و«الخط 29» والنقاط البرية والبحرية الناجمة عنها. وهو يعطي الأهمية إلى استكشاف ما في باطن الأرض من ثروات، من دون النظر الى ترسيم اي خطوط من فوقها. وهو يبرر اقتراحه بالتأكيد انّه لربما كانت هذه الخطوط متداخلة كما في حدود الآبار الغميقة، والتي تمنع رسم اي خط على سطح البحر بنحو مستقيم. ولذلك فهو دعا عند تبريره نظريته إلى إنشاء شركة دولية تتولّى مهمة البحث عن هذه الثروة واستغلالها واقتسام مردودها على الجانبين عبر صندوق مستقل وفق معادلة دولية معتمدة في أكثر من منطقة في العالم، وهي تعطي الدولة الأقل ضعفاً وثروة نسبة منها، أكبر من تلك التي تناهضها، إن كانت تمتلك قدرات اقتصادية متفوقة على غريمتها. وهي معادلة يمكن اللجوء إليها في حالتي قيام الشركتين بأعمال الحفر على جانبي المنطقتين الاقتصادية، او لشركة واحدة يمكن ان تكون على علاقة غير مباشرة بالطرفين العدوين.

 

وامام ما هو مطروح في الصالونات السياسية والاقتصادية والنفطية، فانّ لبنان ينتظر بفارغ الصبر عودة هوكشتاين إلى بيروت، لفهم كثير مما هو غامض حتى اليوم. وبالإضافة إلى فهم الموقف الإسرائيلي مما طرحه هوكشتاين هناك، ومدى تأثيره في تغيير قواعد المفاوضات، لا بدّ من فهم ما قام به ايضاً في الفترة الطويلة نسبياً الفاصلة بين زيارته الى بيروت في التاسع عشر من تشرين الاول الماضي حتى زيارته الى اسرائيل الاسبوع الماضي، وعمّا ان كان قد تمكن من اقناع اسرائيل بطروحاته الجديدة، فإن حصل ذلك سيكون عليه القيام بما يسمح بتسويقه لدى الجانب اللبناني.

 

وعليه، لا يمكن التقدير من اليوم، ما ستكون عليه ردّة فعل اللبنانيين المفروزين سلفاً تجاه ما سيحمله الموفد الاميركي من اقتراحات جديدة للتثبت مما وصل اليه. فلا يُخفى على احد عدم وجود اي موقف لبناني موحّد مما هو مطروح حتى اليوم، ويؤكّد ذلك تجميد كل الخطط التي قالت بضرورة توقيع المرسوم 6433 الذي يحسم الدعوة الى اعتماد الخط 29 رسمياً من قبِل لبنان وتسجيله لدى الأمم المتحدة أياً كانت ردة الفعل الاسرائيلية والأميركية.

 

وهو امر لا ينفي أهمية ان يكون اقتراح هوكشتاين مهماً، إن بات مطروحاً بجدّية. فاقتباس الحكم الذي أصدرته المحكمة الدولية في الخلاف الناشب بين الصومال وكينيا – والذي عدّ قراراً تاريخياً – يدعم وجهة نظر لبنان في ما يصرّ عليه من خلال الخط 29، وكيفية احتساب نقطة انطلاقه من البر وكيفية توجيهه بحراً. وعندها قد يكون اقتسام الثروة على اساس شكل ومحتوى حقلي قانا وكاريش، مخرجاً يوفّر للبنان ما يوفّره الخط 29. وعندها يمكن الاستغناء عنه، ان ضمن النتائج عينها ودخلت المفاوضات مساراً آخر مختلفاً عن المحاولات السابقة التي لم تنته الى اي نتيجة ايجابية.