دعا مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أمن الطاقة آموس هوكشتاين في تصريح صحافي، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن في دورته الـ 60 في ألمانيا، المجتمع الدولي ولا سيما الأوروبيين ودول الخليج، الى تقديم الدعم في المرحلة المقبلة للجيش اللبناني، وبناء الإقتصاد في جنوب لبنان، مشيراً الى أنّ “الوضع على الحدود قد تغيّر بعد 7 تشرين الأول”… ويصبّ كلام هوكشتاين في باب ما تسعى اليه بلاده من تهدئة الوضع عند الجبهة الجنوبية، وإبقاء الصراع بين حزب الله والعدو الاسرائيلي عند أدنى مستوى ممكن، بهدف تأمين عودة سكّان القرى والبلدات الحدودية الى منازلهم، وكذلك السكّان على الحدود الشمالية “لإسرائيل”.
مصادر سياسية متابعة أكّدت أنّ هوكشتاين يُحاول بطريقة أو بأخرى، تطبيق ما ورد في المقترحات الفرنسية التي قُدّمت في ورقة الى كلّ من لبنان و”إسرائيل” لمنع التصعيد عند الجبهة الجنوبية، لجهة تمكين الجيش اللبناني من بسط سيطرته على كامل الجنوب بما فيها منطقة الليطاني. فقد نصّت الورقة الفرنسية على نشر ما يُقارب 15 ألف جندي لبناني في الجنوب، الأمر الذي دفع وزير الخارجية والمعتربين عبد الله بوحبيب الى شرح موقف لبنان في هذا الإطار، فأشار الى أنّه “لا قدرة للبنان على نشر هذا العدد الكبير من الجنود في الجنوب، لذلك طلب من المجتمع الدولي مساعدته في تجنيد سبعة آلاف عنصر”.
وتقول المصادر بأنّ محاولة هوكشتاين تأتي من طرح أميركي، وليس من موافقة الدول الأوروبية أو دول الخليج على تقديم المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، وهو يبحث عن الحلّ بعيداً، بدلاً من البدء من تطبيق القرارات الدولية لجهة الإعتداءات الإسرائيلية على السيادة اللبنانية. كما أنّ عدداً من الدول الأوروبية مثل فرنسا وبريطانيا، غالباً ما تقدّم المساعدات للجيش اللبناني، غير أنّها لا تتعدّى الأسلحة الخفيفة والذخائر، التي لن تجعل من الجيش اللبناني يمتلك قدرات عسكرية ضخمة لرد أي عدوان على سيادة الدولة كما يجب. فالولايات المتحدة ترفض أن يُصار الى تمكين الجيش اللبناني، أو تزويده بأسلحة متطوّرة توازي الأسلحة التي تمتلكها “إسرائيل”، لكي تبقى هذه الأخيرة الأقوى تسلّحاً في المنطقة، من دون أن يكون هناك توازن قوى بينها وبين أي قوّة أخرى فيها.
من هنا، تخشى “إسرائيل” من سلاح حزب الله الذي بإمكانه ردعها عن القيام بأي حرب مدمّرة، على ما أضافت المصادر نفسها، ولهذا يسعى هوكشتاين من باب تسليح الجيش، الى طرح نزع سلاح المقاومة تدريجاً. غير أنّ مثل هذا الأمر لا يُحلّ بهذه السهولة، أو بهذا التكتيك الذي تتبعه الولايات المتحدة الأميركية، على ما شدّدت المصادر نفسها، إنّما من خلال وقف إطلاق النار في غزّة وفي جنوب لبنان أولاً، ومن ثمّ من خلال مناقشة الاستراتيجية الدفاعية للبنان في الداخل. على أنّ الحلّ في الجنوب يكون من خلال تطبيق القرار 1701، الذي يبدأ بالإنسحاب “الإسرائيلي” من جميع الأراضي اللبنانية المحتلّة، بما فيها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وإعادتهما الى لبنان.
وفي ما يتعلّق بتقديم الدول الأوروبية والخليجية الدعم للجيش اللبناني، على ما عقّبت المصادر، فهي التي تقرّر إذا كانت ستفعل ذلك ومقابل أي ثمن. فالدول الأوروبية يهمّها التهدئة في الجنوب لاستكمال التنقيب عن النفط والغاز في البلوكات الحدودية، في حين أنّ الدول الخليجية التي أوقفت التطبيع مع “إسرائيل” بعد عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، فلن توافق الأميركي على تسليح الجيش اللبناني ودعمه لتأمين أمن المستوطنات الشمالية، بل سيكون لها كلام آخر.
وبرأي المصادر أنّه على الولايات المتحدة تكثيف الضغوطات على “الإسرائيليين” لوقف الحرب في غزّة، علماً بأنّها لا تريدها أن تتوقّف، خصوصاً مع رفض واشنطن مسودة القرار الجزائري الأخير الذي جرت مناقشته في مجلس الأمن الدولي لوقف النار في غزّة، قبل الطلب من المجتمع الدولي دعم الجيش اللبناني وبناء الإقتصاد في جنوب لبنان. فلا شيء سيُحقّق الإستقرار في الجنوب إن لم يتوقّف إطلاق النار في قطاع غزّة، والذهاب نحو حلّ ديبلوماسي دائم يُساهم في عودة الهدوء الى الحدود الجنوبية، ويعيد السكّان الجنوبيين النازحين الى منازلهم في القرى والبلدات الحدودية.
أمّا أن يقوم هوكشتاين بجهود دولية فقط لتأمين أمن المستوطنات الشمالية، وإعادة نحو 90 ألف مستوطن “إسرائيلي” الى منازلهم فيها، فهو أمر لن يقبل به لبنان، ما لم تُطبّق “إسرائيل” القرار 1701، وتوقف عدوانها على لبنان وانتهاكاتها للسيادة اللبنانية برّاً وبحراً وجوّاً وتنسحب من كلّ الأراضي اللبنانية المحتلّة. أمّا وقف التصعيد، فلا بدّ وأن يبدأ من قبل “الإسرائيلي” المتعنّت الذي يُواصل جرائمه ومجازره البشعة بحقّ المدنيين في غزّة، كما في جنوب لبنان، رغم استمرار المفاوضات في القاهرة التي تُفكّر حركة حماس بتعليقها مع المناورة التي يقوم بها العدو، لتنفيذ مخطط تهجير أكثر من مليون و400 ألف فلسطيني من غزّة الى رفح.
أمّا الإستقرار والسلم الدوليين فلن يعودا الى المنطقة، على ما ذكرت المصادر، من دون تسوية تشمل جميع الأطراف، وتجعل “إسرائيل” تدفع ثمن انتهاكاتها للقانون الدولي بما في ذلك المجازر التي تقوم بها بحقّ المدنيين والعاملين في المجال الإنساني والصحي في المستشفيات والمدارس، فضلاً عن تدمير البنى التحتية والمباني لعدم ترك أي إمكانية للعيش في القطاع.