Site icon IMLebanon

هل يتوقف إنتظار هوكشتين على ضفة النهر؟

 

دأب بعض السياسيين اللبنانيين خلال الأسبوعين المنصرمين على الترويج لزيارة مرتقبة للموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتين لاستئناف تبادل المقترحات المتعلقة بوقف إطلاق النار بين حزب لله وإسرائيل. لقد أصبح من المسلمات أن هذه الزيارات لم تكن سوى آلية أرادها الجميع لتعبئة الوقت بغدارة الولايات المتحدة الحاضرة دائماً وأبداً في كل النزاعات، فإسرائيل غير راغبة في وقف إطلاق النار وإيران تبحث عن كوة في الجدار الأميركي المقفل أمامها ولا سبيل لذلك سوى باستمرار حزب لله في القتال. والدولة اللبنانية بدورها ممثلة من جهة بالرئيس نبيه بري الذي أولاه حزب لله التفاوض بإسمه يصرّ على نسخة مبهمة لتطبيق القرار 1701 لا تفقده دور المفاوض وتطمئن طهران في الوقت عينه، ومن جهة أخرى بالرئيس نجيب ميقاتي الذي يتمايز عن الرئيس بري لفظياً دون امتلاك القدرة العملية على ترجمة هذا التمايز.

لقد ركن المسؤولون في لبنان إلى حضور هوكشتين باعتباره هدفاً وليس وسيلة، إذ أصبح مجرد التلويح بحضوره إلى المنطقة شرطاً ملزماً للدلالة على وجودهم ومبرراً لبقائهم في ذاكرة اللبنانيين في خضم الفشل المتمادي في اتّخاذ موقف قادر على مواجهة تداعيات الحرب التي فرضها حزب لله على اللبنانيين ليس على المستوى السياسي فحسب بل على المستويين المعيشي/ الإجتماعي والأمني. لكن ما يبدو أن تداعيات الحرب على لبنان لم تقتصر على تدمير جزء من بنيّة حزب لله العسكرية والإقتصادية وإنهاك بيئته وحضوره السياسي، بل امتدت لتعبث بالثوابت التي شكّلت المشهد الإقليمي منذ أكثر من ثلاثة عقود ومنها دور إيران في المنطقة الذي يبدو أنه يخضع لإعادة تدوير بما يتفق مع رغبة واشنطن باستعادة المنطقة مجدداً إلى قائمة إهتماماتها.

 

فماذا بقي من مهمة هوكشتين بعد وصول الرئيس ترامب الى البيت الأبيض؟

لا يمكن الفصل بين التحولات التي تشهدها المنطقة وما يمكن أن يحمله المبعوث الأميركي الى المنطقة بعد انتخاب الرئيس دونالد ترامب. أهم هذه التحولات هي رغبة الإدارة الأميركية الجديدة الإنتقال بالعلاقات مع دول المنطقة من الإطار الأحادي الى الإطار الإقليمي الشامل على المستويين السياسي والأمني، بمعنى آخر السعي لإقامة تحالفات دفاعية وتكتلات إقتصادية تعزز موقع واشنطن في المنطقة. هذا ما عبّرت عنه واشنطن مراراً لا سيما من خلال محاولاتها إنجاز معاهدة دفاعية مع السعودية التي تعتبرها واشنطن إطاراً عاماً لمجموعة أوسع من الترتيبات تشمل لبنان وغزة. وهذا قد يعني بالدرجة الأولى الإنتقال بالتسويات في كل من غزة ولبنان من مستوى التفاوض المنفرد عملاً بمبدأ فصل الساحات الى إطار يتّسق مع المشهد الإقليمي الذي عمل عليه ترامب في ولايته السابقة (2016-2020). وفي هذا الإطار قد يكون هناك مساحة أقل أو اهتماماً أقل بالدبلوماسية مع طهران، بل أن هناك «استعداداً أكبر لدى الجمهوريين لتحمّل العمل العسكري ضد إيران»، لا سيما بعد الهجوم الإسرائيلي على غرب وجنوب غرب طهران في 26 أكتوبر بأكثر من 100 طائرة ومسيّرة، والتي طالت نحو 20 هدفاً بينها مواقع صواريخ باليستية، وبطاريات دفاع جوية.

في هذا الإطار لم يأت انعقاد القمّة العربية الإسلامية خارج السياق المشار إليه. لقد لاقت القمّة العربية الإسلامية التي عقدت يوم أمس في الرياض بحضور 50 دولة إسلامية وعربية التوجه الأميركي المذكور، إذ عبّرت من خلال جدول أعمالها عن توجه واضح لتلقف كل القضايا المتعلقة بالأمن الإقليمي، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية والحرب في لبنان وأمن الممرات المائية. لقد أدرجت القمّة ضمن مهام اللجنة الوزارية العربية الإسلامية المشتركة برئاسة المملكة العربية السعودية «وقف العدوان على لبنان وتطبيق القرار 1701 بكامل مندرجاته الى جانب التأكيد على دعم المؤسسات الدستورية في ممارسة سلطتها وبسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها والتأكيد على دعم القوات المسلحة اللبنانية باعتبارها الضامنة لوحدة لبنان واستقراره والتشديد على أهمية انتخاب رئيس للجمهورية». أليس في ذلك دعوة صريحة لإنهاء مهمة الموفدين الى لبنان؟

تمتلك الدول التي اجتمعت في القمّة لا سيما المملكة العربية السعودية ثقلاً دولياً قادراً على فك الإرتباط بين الصراع في كل من غزة ولبنان والضربات المتبادلة بين طهران وإسرائيل، وقطع الطريق على تهديد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بحرب تتجاوز غرب آسيا. قد تنجح  اللجنة الوزارية العربية المنبثقة عن القمّة في دفع واشنطن للتخلي عن سياسة إرسال الموفدين الى لبنان لصالح مرجعية قادرة على إعادة الإعتبار الى العمل الدبلوماسي بما ينهي شخصنة اللقاءات التي يدّعيها بعض السياسيين ويوقف الإنتظار الدائم للسيد هوكشتين على ضفة النهر.

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات