صار الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين مكلفاً بالملف اللبناني ككل من الحدود البحرية والبرية إلى الرئاسة، وتحوّل لبنان إلى ملف من الملفات التي لها علاقة مباشرة بانتخابات الرئاسة الأميركية والبيت الأبيض. واذا دخل هوكشتاين مباشرة مع شبكة العلاقات التي يملكها وصار العضو الأساسي في اللجنة الخماسية والمشرف عليها، وفق المعلومات المتداولة، فماذا يبقى لفرنسا من دور؟ وما الذي سيفعله موفدها جان ايف لودريان؟
يمكن فهم هذا التطور على أنه إدارج للبنان في جدول أعمال الفريق الذي سيخوض الانتخابات الرئاسية في أميركا، وليس وزارة الخارجية، ما قد يعكس صراعاً بين الخارجية والبيت الأبيض الذي بات يدير الملف اللبناني مباشرة من خلال موفده. صحيح أنّ كل الأمور ستصب في نهاية المطاف في صلب السياسة الأميركية التي لا تتجزأ، لكن بمراكز النفوذ يمكن إعتبار لبنان ورقة أساسية في يد البيت الابيض. وأنّ السفيرة الأميركية ليزا جونسون المعيّنة حديثاً، وخلافاً لمن اعتبرها رأس حربة في الصراع مع «حزب الله»، ستكون تحت مظلة هوكشتاين الذي يملك ملفات لبنان بكل محتوياتها.
منذ حرب غزة دخل هوكشتاين على خط الوساطة من أجل وقف استهداف إسرائيل انطلاقاً من الجنوب اللبناني. حمل في زيارته الأخيرة صيغ ترسيم حدود برية، وأخرى لتطبيق القرار 1701 أي صيغة تسوية شاملة تقع الرئاسة الأولى ضمنها. ولكن الأولوية هي لوقف الحرب على إسرائيل. وظهر جلياً وجود حوار جدّي بين الأميركيين والثنائي الشيعي، حوار مباشر مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وغير مباشر مع «حزب الله». وقد ظهّره الأمين العام السيد حسن نصر الله بكلامه أن أوقفوا الحرب في غزة كي نتكلم بالقرار الدولي، أي أنّه يتوجه إلى الأميركي عبر هوكشتاين بأنّ مبدأ الحديث معك موجود، ولكن شرطه غير متوافر بعد، وهو ربط جبهة غزة بتطبيق القرار 1701. ومثل هذا الحوار يعتبر تطوراً يبنى عليه وهو المنطلق لأي حديث في أي ملف آخر، ولا سيما رئاسة الجمهورية. من خلال ما كشف النقاب عنه فإنّ بداية حوار ساخنة سادت بين هوكشتاين و»حزب الله». بعد الأوروبيين نقل هوكشتاين تحذيراً بالغ اللهجة من مغبّة حرب إسرائيلية وشيكة، مع فارق أنّ الجانب الأميركي عمل على تقديم اغراءات معينة لضمان الهدوء وتأمين عودة المستوطنين شمالاً، وحينما استنفد طرقه انتقل إلى التهديد وربط فرصة الحل بفترة زمنية معينة. أبلغ الموفد الأميركي «الثنائي» بصريح العبارة أنّ بلاده يمكنها تأخير الحرب الإسرائيلية على لبنان، وليس منعها طالباً الإجابة عن اقتراحه في غضون أيام، وليس أسابيع.
واندرج العرض الذي قدّمه في سياق مجموعة أفكار تبدأ بوقف «حزب الله» عملياته انطلاقاً من الجنوب وضمان الهدوء على الحدود الشمالية وانسحاب «قوة الرضوان» وانتشار الجيش اللبناني على طول الحدود المتاخمة، وضمان عودة النازحين من الجانبين إلى أماكن اقامتهم. قال إنّها أفكار يجب أن تكون موضع نقاش سريع «ولكن أحذركم أنّ إسرائيل ضاقت ذرعاً من جبهة الجنوب ولديها مشاكل جراء هجرة المستوطنين على الحدود الشمالية، وهي بصدد الذهاب نحو خيار شنّ عملية عسكرية واسعة نعمل على تأخيرها لأسابيع، ولكن لا يمكننا منعها اذا استمر الوضع على حاله».
عرض تعامل معه «حزب الله» على كونه محاولة لمنح إسرائيل مكسباً نتيجة السقوط المدوي لها في غزة واعترافاً بفعالية هذه الجبهة وتأثيرها على الإسرائيلي. لم يستغرق جوابه طويلاً، فردّ عبر الوسطاء أنه لا كلام ولا بحث في أي من الطروحات قبل أن توقف إسرائيل اعتداءاتها على غزة. ويعتبر «حزب الله» أنّ المنطلق لأي بحث هو وقف الحرب الإسرائيلية على غزة وحينها يمكن إيقاف جبهة الجنوب، والشروع في البحث في تطبيق القرار 1701 وابعاد «قوة الرضوان» إلى شمال الليطاني وانتشار «اليونيفيل» أو الجيش، أي تقبل العروض بجدية مقابل ان يُمنح لبنان النقطة B1 قبالة رأس الناقورة، والنقاط الـ13 الممتدة من مزارع شبعا إلى بلدة الناقورة ومعها الغجر.
الفرق بين الأوروبي والأميركي في الحديث مع «الثنائي» أنّ الأول يكتفي بالتهويل والتحذير من حرب يعتبر أنّها ستغرق لبنان وتضاعف أزمته بينما يأتي الثاني حاملاً عنصري الترغيب والترهيب وكلاهما لا يلقيان تجاوباً من «حزب الله»، وعليه ردّ أمينه العام «أهلاً وسهلاً بالحرب» مؤجلاً كل بحث سياسي عسكري أو رئاسي إلى ما بعد غزة. وهو ما فهم على أنّه قبول بمبدأ البحث، ولكن يبقى الخلاف على التوقيت، بين متريث يعتبر أنّ ثمن تضحياته غالٍ، ومن كان على عجلة من أمره، وفي كلا الحالين ستكون المرحلة المقبلة صناعة أميركية بالتوافق مع «الثنائي».