يستبق الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين هدنة غزة، بمحاولة الوصول إلى هدنة جنوب لبنان، في تزامن تسعى إليه الإدارة الأميركية، سيمكّنها من التقاط أنفاسها في الحرب الطويلة، التي دعمت فيها اسرائيل، مع كل ما رافق هذا الدعم، من استنزاف جراء الحرب القاسية على المدنيين، والخسائر التي لم يسبق لحرب في الشرق الأوسط أن شهدتها.
بالمعنى العملي يحاول هوكشتاين أن يستبق تحوله إلى فيليب حبيب آخر، أي إلى وسيط على وقع حرب اسرائيلية على «حزب الله»، يحاول تفاديها بأي ثمن. لعب «الملعون صانع السلام»، كما عنون كتاب مذكراته، الدور الأكبر كموفد للرئيس الأميركي رونالد ريغان قبل الاجتياح الاسرائيلي في العام 1982 وبعده، وعندما وصلت القوات الإسرائيلية إلى بيروت، كان المفاوض يفاوض على إخراج منظمة التحرير الفلسطينية المحاصرة، ومهّد باتصالاته للمساعدة على إتمام الانتخابات الرئاسية، التي أوصلت الرئيس بشير الجميل، ثم ختم مهمته الملعونة، مع انتهاء حقبة التدخل الأميركي، ورحيل القوات المتعددة الجنسيات من بيروت.
يريد آموس هوكشتاين أن يفاوض كصانع سلام لتفادي اجتياح اسرائيلي جديد، أو بالحد الأدنى حرب جوية مدمرة، ويسعى لامتلاك ضمانتين: الأولى من اسرائيل، مفادها أن لا ضرورة ولا مصلحة بشن حرب كبيرة ما دام الأمل بالمسعى الدبلوماسي يمكن أن يؤدي إلى تحقيق الأهداف من دون حرب، ولو عبر تقديم بعض الجوائز لـ»حزب الله».
أما الضمانة الثانية فمن «حزب الله» الذي بات لهوكشتاين علاقة حميمة وغير مباشرة معه، وهي تتطلب الموافقة على الانسحاب شمالاً (ولو على سبيل البدء بها على مراحل وكخطوات مبدئية) مقابل بدء مسار ترسيم النقاط الـ13، كما مقابل غض النظر عن انتخابات الرئاسة، التي يريدها «الحزب» ضمانة إضافية وهامة، كي يقبل بالانسحاب.
يطمح هوكشتاين إلى الترتيب للهدنة اللبنانية، بالتوازي مع الهدنة الغزاوية، وهذا ما سيعطيه اذا نجح، ستة أسابيع من الزمن الكافي، لتحقيق انسحاب «الحزب» والترسيم، وقبل كل ذلك البت في الانتخابات الرئاسية، على اعتبار أنّ الرئيس الجديد سيرعى المفاوضات وتالياً الاتفاق على الترسيم والترتيبات في آن.
تواجه مهمة هوكشتاين عقبات من الجانب الإسرائيلي، وتسهيلات من جانب «حزب الله» الذي ينتظر بفارغ الصبر سريان الهدنة في غزة، كي يوقف النار، وعندها يكون قد حقق الهدف من حرب المساندة، وانتزع من اسرائيل زمام المبادرة، عبر وضعها في خانة ردة الفعل. أما اسرائيل، فتخشى التطبيق المائع للانسحاب بما سيكرر تجربة العام 2006، وهي بالتالي سوف تبدي تشدداً، يمكن أن ينسف مسعى الموفد الأميركي، ويفتح جبهة لبنان على احتمالات التصعيد الكبير.