عاد آموس هوكشتين الى المنطقة من بوابة تل أبيب بعد تصعيد ميداني عنيف عرفته الجبهة الشمالية ترافق مع تهديدات متتالية لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بتغيير الوضع على الحدود، وبعد إلقاء منشورات فوق بلدة الوزاني تدعو الموجودين في المنطقة وجوارها إلى إخلائها وعدم العودة حتى نهاية الحرب. الجيش الإسرائيلي ما لبث أن أوضح أن أحد ألويته (اللواء 769)، بادر إلى هذه الخطوة دون الحصول على موافقة قيادة الشمال ، وأنه فُتح تحقيق في الأمر”.
التصعيد الإسرائيلي قطعه بشكل مفاجئ وصول صاروخ بالستي فرط صوتي إلى إسرائيل أطلق من اليمن بعد أن اجتاز مسافة 2000 كلم فوق البحر الأحمر، ليخترق أجواء الأراضي المحتلة من الجهة الشرقية وينفجر على مسافة 6 كلم من مطار بن غوريون الدولي، متجاوزاً كل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي بالرغم من إطلاق عدد من الصواريخ الإعتراضية سواء من نظام حيتس أو من منظومة القبة الحديدية.
فهل تجاوز الصاروخ الحوثي كل الدفاعات الجوية الأميركية والبريطانية الموجودة في المنطقة؟ وماذا يعني عدم التعليق الأميركي على هذا الإطلاق وعدم اعتباره تهديداً لإسرائيل يستوجب الرد، لا سيما أن وزارة الدفاع الأميركية كانت قد أعلنت قبل أيام عن انسحاب حاملة الطائرات “يو. أس. أس. تيودور روزفلت” من المنطقة، وتبعتها طهران بإعلان انسحاب “الأسطول 98″، بعد 126 يوماً في مياه البحر الأحمر، ليستقرّ في أحد أرصفة ميناء “بندر عباس”، جنوب إيران؟
لا شك أن انسحاب حاملة الطائرات “تيودور روزفلت” لا يعني أن واشنطن قد تخلت عن إدارة الصراع في المنطقة، فهي قد أبقت على حاملة الطائرات “يو. أس. أس إبراهام لنكولن” المجهزة بمقاتلات “إف-35 سي” و”إف/ إيه-18 بلوك 3 في خليج عدن ويرافقها أسطول المدمّرات (ديسرون) 21، وهي الأكبر والأحدث في العالم، كما أن الغواصة النووية الأميركية “جورجيا” المزودة بــــــ 160 صاروخ توماهوك لا زالت في البحر المتوسط. إن ذلك يعني أن لواشنطن أجندتها المستقلة وأولوياتها في تقييم المخاطر والتعامل معها، وهي لا تشارك تل أبيب نظرتها إلى حراجة الموقف، وربما يندرج التجاهل الأميركي للصاروخ الحوثي في هذا الإطار، وأن واشنطن شاءت تحذير تل أبيب من تبعات الذهاب الى مغامرة غير محسوبة لا تحظى بموافقتها.
كيف يمكن في ضوء كل ذلك قراءة زيارة آموس هوكشتين إلى تل أبيب وربما إلى بيروت؟
يعود هوكشتين في خضم تصاعد الخلاف داخل حكومة نتنياهو حول توسيع العملية العسكرية في لبنان للتأكيد على حصرية قرار الحرب في المنطقة بيد الولايات المتحدة. ففيما تحاول تل أبيب إعطاء الأولوية المطلقة للحل العسكري وإقناع الموفد الأميركي بإحتلال حزام أمني في الجنوب لإعادة مستوطني الشمال، يعرض هوكشتين التقييدات التي تضعها إدارته على الخيار العسكري مؤكداً على المخاطر المترتبة على إسرائيل وعلى مصير الأسرى دون الخوض في تفاصيل لا تعنيه كموفد رئاسي. ومن قبيل التأكيد على فوقية إدارته وأنها ليست جزءاً من القرار الإسرائيلي، أضأف هوكشتين هذه المرة إلى مناورته الدبلوماسية المعهودة والمرتكزة الى وقف إطلاق النار وعودة النازحين الى منازلهم على جانبيّ الحدود وتطبيق القرار 1701، مسألة ترسيم الحدود بدءاً من “جبل دوف” وتحديداً من موقع متقدم لحزب الله في مزارع شبعا المحتلة، مضيفاً عقدة جديدة إلى مسألة يدرك مسبقاً أنها متعذرة لبنانياً ومرفوضة من قبل حزب الله، قبل أن تكون مرفوضة إسرائيلياً لإعتبارات تعلمها واشنطن قبل سواها.
لم يأتِ هوكشتين لإضافة أي شيء جديد إلى زياراته السابقة مع إصرار طهران عبر حزب الله على ربط الجنوب اللبناني بحركة حماس، ومع عجز بنيامين نتنياهو على إجراء أي تغيير جذري في الوضع الأمني على الجبهة الشمالية دون موافقة واشنطن. تستند دبلوماسية هوكشتين إلى ضبط إيقاع اللاعبين في المنطقة في المهلة الفاصلة عن الإنتخابات الأميركية والتأكيد أن لواشنطن أجندتها وأن أي تغيير في الوضع القائم يعود لها دون سوها وعلى الجميع إلتزام الهوامش المتاحة لهم.
بهذا المعنى يصبح الصاروخ الحوثي صاروخاً أميركياً بإمتياز بصرف النظر عمن صنّعه أو أطلقه، ويندرج في هذا الإطار تراجع الجيش الإسرائيلي عن تبني المنشورات التي أُلقيت على القرى الحدودية وإلقاء تبعات ذلك على أحد قادة ألويته وهو أمر لا يمكن تصديقه.