قبل أن يحط رحاله في ديارنا كان المعلّقون والمحلّلون قد ملأوا افتتاحيات وأعمدة الصحف بِـ «معلومات» متناقضة حول هذه الحلقة من مسلسل عاموس هوكشتاين راوحت بين مَن زعم سلفاً أنها زيارة فاشلة ومن ادّعى أنها ستحمل في طيّاتها حداً من النجاح. والاستنتاج الأول أن الكلام هو من عنديات أصحابه، وإلّا لما كان التضارب فيها قد بلغ النقيضين.
في أي حال المنطق يفترِض أن المستشار الرئاسي الأميركي الأوّل ما كان ليأتي الى لبنان لو لم يكن في جعبته «شيءٌ ما»، وهو الذي نُسِب إليه القول، قبل نحو اسبوعين، إنه لن يزور بيروت إلّا إذا حدث تطوّرٌ ما لافت. طبعاً الذين نسبوا إليه هكذا كلاماً لم يذكروا ما إذا كان التطور المقصود، الذي يستوجب مجيء الرجل، إيجابياً أو سلبياً.
توافقت الزيارة، أمس، مع حدث مثير جداً في مسلكية الحرب الدائرة على جانبَي الحدود اللبنانية-الفلسطينية بمحاولة تسلّل العدو الإسرائيلي، في غير نقطة، وقد تصدّت لها المقاومة الاسلامية التي ردّت المتسللين على أعقابهم بعدما أوقعت فيهم إصابات بليغة. فهل كان جيش الاحتلال الصهيوني يتقصّد من هذه العملية أن تكون «بروفا» يَختبر من خلالها أمرَين في غاية الأهمية، أوّلهما مدى سهر عين حزب الله الساهرة، والثاني قدرته على سرعة الرد وفاعليته؟ وفي الأمرين معاً فشل العدو في الاختبار.
ولا شك في أن هوكشتاين يريد التوصل الى تحقيق هدف الصهاينة الأساس وهو انكفاء حزب الله عن الحدود الى الشمال في العمق اللبناني الى ما لا يقل عن عشرة كيلومترات، حتى اذا حصل ذلك ضمنت الولايات المتحدة الأميركية وقف العمليات العسكرية عبر الحدود، وفي الأجواء أيضاً، ويتمركز الجيش واليونيفيل في منطقة الانسحاب… وعندئذ تأخذ مهمة عاموس مداها نحو تثبيت الحدود (وليس ترسيمها).
وفي «المعلومات»، وهي أكيدة وليست استنتاجاً، أن المستشار الأميركي المكلَّف هذا الملف، لم يلتزم الموقف اللبناني الذي يطالب بانسحاب الاحتلال من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وإن كان «متفهماً» هذا الطلب. وتتزامن الزيارة مع تطورات لافتة في الحرب الهمجية على غزة وقد سجّل فيها العدو أنه يتقدم على البرابرة كلّهم في ارتكاب المجازر وجرائم الحرب التي لم يسبقها إليه أحد، ولا حتى النازيّون. ومن بين تلك التطورات وفي طليعتها تعميق الخلاف بين تجو بايدن والسفاح بنيامين نتانياهو، وتصاعد اللهجة الصهيونية بشن حرب واسعة على لبنان.