يريد الرئيس دونالد ترامب أن يسجل اسمه في تاريخ الشرق الأوسط من باب حلّ النزاع العربي – الإسرائيلي، وتعويضاً عن «الحصار» الذي يعانيه في واشنطن، لهذا تنظر أطراف عربية وإسرائيلية بجدية الى مبادرة الرئيس الأميركي، لذلك فإن إسرائيل تبدو مهتمة ومتابعة لكل خطوة يقوم بها مبعوث الرئيس الأميركي جيمس غرينبات الموجود حالياً مع مساعديه في إسرائيل، حيث لا يكتفي باللقاءات الرسمية والسرية وإنما أيضاً القيام بجولات ميدانية في الضفة الغربية، لمعاينة ودراسة أي تغييرات لاحقة على الأرض.
بدورها فإن «حركة حماس» التي تعرف بالعمق أن أي حل مستقبلي سيكون على حسابها، بادرت للالتفاف على هذا التطور، بإصدار برنامجها الجديد الذي يضعها على سكة اتفاق أوسلو الذي رفضته وحاربت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات حياً وميتاً بسببه. كما اختارت اسماعيل هنيّة القريب من مصر مكان خالد مشعل ووجهت بذلك «رسالة» الى واشنطن مختصرها «جربونا». لكن هذا التطور
يبدو وكأنه جاء متأخراً حسب كل التقديرات، فلم يبنِ جداراً يحميها، خصوصاً مع الكلام المتزايد عن «الجرافة الترامبية». كما نقلت مصادر مطلعة، أنه بعد مؤتمر «حماس» في الدوحة، ارتفع «منسوب الخوف عندها الى حد الرعب من ضربة عسكرية إسرائيلية قاضية عليها في غزة»، خصوصاً أن مثل هذه الضربة ستكون استناداً الى اتفاق أميركي – مصري – أردني، بحيث لا يعود لديها سوى التسليم بنتائجها، التي ستكون من نوع «البتر» وليس الجراحة.
ما رفع منسوب «الرعب»، أن معلومات وصلت الى حماس أن هذه «الضربة العسكرية جزء من حل سياسي شامل وافقت عليه الولايات المتحدة الأميركية ومصر والسلطة الوطنية في رام الله. ويقضي هذا الحل «بتسليم السلطة في غزة الى الرئيس محمود عباس». ويتضمن الحل أيضاً أن تصبح القدس الشرقية مدوّلة وأن تكون عاصمة فخرية لفلسطين، وأن تتم مبادلات في الأرض حيث تأخذ إسرائيل كامل القطاع C الوارد في اتفاق أوسلو ويبقى للسلطة الفلسطينية كامل القطاع A، أما القطاع B فيبقى للفلسطينيين على أن تتولى إسرائيل مسؤولية الأمن فيه. المهم بالنسبة لإسرائيل أنها بهذا التقسيم يصبح لديها 60 في المئة من أراضي الضفة التي تتضمن الأراضي الزراعية ومصادر المياه واحتمالات وجود الغاز والنفط. أما البديل للفلسطينيين عن اقتطاع إسرائيل لهذه النسبة فيكون ضم شريط من سيناء (أرض الملح) بموافقة مصرية كاملة. أما كيف ستعيش هذه «الدولة» التي تفتقد الزراعة والمياه، فإن ذلك يتم حسب المصادر في تنفيذ مشروع قديم نابع من نجاح تجربة «كازينو أريحا»، التي وئدت باكراً، أي قيام ما يشبه «لاس فيغاس» في الصحراء يعوّض إنتاجها المالي ما خسره الفلسطينيون في الضفة.
هذا المسار الفلسطيني – الإسرائيلي، سيسير بموازاة مسار عربي – إسرائيلي، علماً أنهما لن يتقاطعا إلا في النهاية. وترى المصادر نفسها، أنّ الضربة لحماس في غزة لن تكون أحادية. وإذا كان الحل سيكون شاملاً برعاية أميركية وموافقة إسرائيلية. فإن إسرائيل لن تقبل بالوعود ولا التطمينات ولن تطمئن حتى للتعهدات للسير على مسار التسوية الشاملة. وتحقيقاً لضمان الأمن الإسرائيلي في الجولان الذي لن تتخلى عنه وإنما ستعمل على الدفع باتجاه القبول عربياً ودولياً بضمه نهائياً فإنها تريد حمايته خصوصاً من أي تمدد من «منظمات تكفيرية» وخصوصاً من أي وجود إيراني عبر «حزب الله». لذلك تريد وستعمل على إبطال هذه التهديدات نهائياً، على أن يكون ذلك بضربة عسكرية لكامل الشريط السوري مع الجولان، ثم النزول باتجاه لبنان عبر قصف جوي مركّز وعمليات إنزال واسعة تشمل كامل البقاع أي من البقاع الغربي حتى الهرمل وعلى كامل السلسلة الشرقية حيث توجد قواعد «حزب الله».
وبهذا فإنها تلوي «ذراع» حزب الله من دون الدخول في مواجهة واسعة في الجنوب تعرّض شمال أراضيها في الجليل لأي خطر. وستكون الرسالة واضحة لإيران لكي «تلملم» طموحاتها الأيديولوجية والاستراتيجية من على حدودها.
وتؤشر المعلومات الى أن طهران التي أهملت كلياً «حماس» منذ حرب «الرصاص المصبوب» على غزة، لأن «حماس» رفضت ركوب «قطارها» في سوريا ضد الشعب السوري وثورته، عادت وبعد وصول سيناريو القضاء على حماس في غزة، علماً أن «الجهاد» لا يُحسب له حساب فور دخول السلطة الفلسطينية الى القطاع، وإقامة السلطة ممثلة بالرئيس محمود عباس في غزة نفسها، بادرت مع «والي» سوريا والعراق ولبنان والقضية الفلسطينية الجنرال قاسم سليماني، بإعادة فتح مسار العلاقات مع «حماس»، ولكن حسب المصادر نفسها فإن «حماس» اعتبرت العرض متأخراً جداً، وأنه جاء نتيجة «تقاطع المصالح وليس اندماج المواقف الفكرية الإسلامية والالتزام بتحرير القدس» كما كان التوجه في الماضي، ولذلك لا ترحّب به علانية ولا سراً.
هذا السيناريو أكبر من أن يُصدّق وأخطر من أن يُهمل. وهو في كل ذلك أحادي الجانب لأنه لا يضع النقاط على كامل الحروف، ومن ذلك ماذا ستكون ردود فعل «حماس» و«حزب الله» وأساساً إيران؟
إيران التي لن يغيب عن رؤيتها أن مثل هذه الحرب وهذه الضربات موجهة بالوكالة لها، وأن الهدف منها إعادتها الى ما وراء الحدود الإيرانية وتقزيم طموحاتها لتكون دولة كبيرة في المنطقة وليس دولة كبرى ترى أن لها حق الاعتراض والسَمْع دون الطاعة، هل ستقف مكتوفة الأيدي تتفرّج على هزيمتها؟
مساحات المواجهة واسعة جداً أمام إيران وهي تمتد من باب المندب على الشواطئ اليمنية الى الجنوب اللبناني وصولاً الى «أرض النار» في سوريا مروراً بالعراق حيث كل المبادرات ممكنة خصوصاً وأن للأميركيين حالياً في العراق حسب التقديرات الروسية – الأميركية سبعة آلاف جندي يُضاف إليهم ألف جندي في سوريا.
كل هذا يجعل من احتمال تحويل الصيف الى صيف ملتهب وقاتم جداً. لذلك يجب الحذر جداً من اللعب بالنار، لأن اللعب هذه المرة قاتل!