جاءت قرارات نزع الأهلية السياسية بمثابة ضربة قوية في وجه الرئيس باراك أوباما والزعماء الأوروبيين الذين كانوا يأملون من الاتفاق النووي أن يكون داعما للتيار المعتدل داخل إيران٬ أي الرئيس الإيراني وحلفاؤه (بالمقارنة). ركزتُجل الجهود الاستراتيجية الأميركية إبان المحادثات النووية على تقوية وتعزيز التيار الإيراني المعتدل٬ على أمل إمكانية إضعاف جانب المتشددين في الحكومة. ولقد كانت تلك هي أطروحة الرئيس أوباما أمام الكونغرس٬ حينما حث نواب الحزب الديمقراطي على معارضة استمرار فرض العقوبات على إيران. وكان المسؤولون الأميركيون٬ على نحو سري غير معلن٬ يشيرون إلى انتخابات فبراير (شباط)
المقبلة بأنها فرصة مواتية للإيرانيين لمنح الاتفاق النووي الشرعية الشعبية المطلوبة له داخل إيران.
يبدو الآن أن تلك الفرصة قد ضاعت من أيدي الإيرانيين. فلقد أخبرني السيد أمين ترزي٬ مدير دراسات الشرق الأوسط لدى جامعة مشاة البحرية الأميركية٬ مؤخرا٬ أنه «تم نزع الأهلية السياسية واستبعاد الغالبية العظمى من المرشحين الموالين لحسن روحاني». وفي حين أن روحاني نفسه قد صرح قائلا إنه سوف يستأنف تلك القرارات٬ إلا أن السيد ترزي لا يرى أن هناك تراجعا سيحدث بشأن تلك القرارات.
ولقد أضاف السيد ترزي قائلا: «نظرا لحالة خامنئي الصحية٬ فإن الفئة الموالية للحرس الثوري الإيراني لا ترغب في المخاطرة بأن يكون المرشد الأعلى القادم من خارج صفوفهم. وهم لا يريدون لروحاني ولا حلفائه أن يجنوا ثمار الجهود المبذولة في الاتفاق النووي. ومن المتوقع أن تزداد الأمور سوءا في الأيام المقبلة».
تلك الأنباء هي من قبيل الأنباء السيئة من دون شك بالنسبة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي كان يأمل في أن يتمتع وزير خارجية روحاني٬ محمد جواد ظريف٬ بالمرونة الكافية التي تمكنه من التوصل لاتفاق سياسي يوقف الحرب الدائرة في سوريا خلال العام الأخير من رئاسة أوباما للولايات المتحدة. ولكن الانتخابات البرلمانية الإيرانية التي تعزز من قبضة المتشددين لن تساعد في ذلك بحال. وأيا كانت نتائجها٬ فسوف تشجع العناصر داخل الحكومة الإيرانية الراغبة وبشدة في إذلال الولايات المتحدة إلى جانب خصومهم المحليين الذين عقدوا صفقة مع الشيطان الأكبر في المقام الأول.
ولقد أخبرني السيد كريم صادقبور٬ الباحث البارز لدى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والخبير في الشؤون الإيرانية٬ أنه لا ينبغي لقرارات الاستبعاد الإيرانية أن تمثل مفاجأة بالنسبة للولايات المتحدة: «كان التسريع من تنفيذ بنود الاتفاق النووي بالأساس لمحاولة مساعدة التيار الإيراني المعتدل في انتخابات المجلس الإسلامي ومجلس الخبراء. ولكن ما يصر الناس دائما على تجاهله هو أن نتائج الانتخابات الإيرانية محددة سلفا قبل انعقادها. والرسم البياني المصغر للسياسيين الذين يتمتعون بشعبية حقيقية والمسموح لهم بخوض الانتخابات البرلمانية من قبل مجلس صيانة الدستور الإيراني لا يشكلون إلا فئة صغيرة للغاية».
وقالت السيدة سوزي مالوني٬ نائبة مدير برنامج السياسة الخارجية لدى معهد بروكينغز يوم الثلاثاء الماضي٬ إن الخيارات المتاحة للولايات المتحدة باتت قليلة: «لا أعتقد أنه بإمكاننا أو ينبغي علينا أن نخوض في محاولات التأثير على مجريات الانتخابات الإيرانية نظرا لافتقارنا إلى المهارة أو النفوذ الكافي للتأثير الحقيقي على السياسات الداخلية الإيرانية».
وأشارت السيدة مالوني إلى أنه حتى إذا تمكن حلفاء روحاني من الاستحواذ على المزيد من مقاعد البرلمان٬ فإن التاريخ الإيراني الحديث يقول إن ذلك لا يشكل أهمية كبيرة هناك على أي حال. ففي عام ٬2000 استطاع التيار الإصلاحي الموالي للرئيس محمد خاتمي وقتئذ من الفوز بمقاعد كثيرة في البرلمان٬ ولكن في الأعوام التالية على ذلك٬ تعرض إصلاحيو خاتمي لقمع شديد وتآكلت صلاحياتهم بمرور الوقت. وفي ذلك الوقت٬ كان الرئيس الحالي روحاني في صف الصقور المتشددين الذين كانوا يعارضون خاتمي بشدة. واليوم٬ فإن أغلب الإيرانيين الذين دعموا وساندوا إصلاح النظام السياسي الإيراني من قبل٬ للسماح بمزيد من الحريات للشعب الإيراني٬ إما أنهم في سجون النظام أو منفيون خارج البلاد.
كانت تلك القوى على أهبة الاستعداد منذ أن وافقت إيران في يوليو (تموز) الماضي على الاتفاق النووي. ومنذ ذلك الحين نفذت إيران اختبارين للصواريخ الباليستية٬ واعتقلت اثنين من الرعايا الأميركيين من أصول إيرانية٬ وسمحت للغوغاء بمهاجمة السفارة السعودية٬ وأوقفت زورقين عسكريين تابعين للبحرية الأميركية٬ وعمدت أخيرا إلى نزع الأهلية السياسية ثم استبعاد حلفاء روحاني من خوض الانتخابات البرلمانية.
شهدت تلك التصرفات زخمها الكبير عبر تغريدات «تويتر» حيث غرد الحساب الشخصي للمرشد الأعلى بالرسالة التالية إلى الرئيس حسن روحاني «رفع العقوبات الاقتصادية وحده ليس كافيا لإنعاش اقتصاد البلاد وتحسين معيشة المواطنين». وفي رسالة مفتوحة إلى روحاني حذر خامنئي من الجهود الغربية لاختراق المجتمع الإيراني عبر الثورات الديمقراطية الملونة.
تعترض تلك الرسالة طريق الكلمات الأكثر تفاؤلا لدى الرئيس أوباما حول الاتفاق النووي. فلقد صرح الرئيس الأميركي يوم الأحد قائلا: «بعد الاتفاق النووي٬ فإنكم ولا سيما الشباب الإيراني لديكم الفرصة للبدء في بناء علاقات جديدة مع العالم. أمامنا فرصة نادرة للمضي في مسار جديد٬ مسار مختلف لمستقبل مختلف يسمح بالتقدم لكلا الشعبين وللعالم بأسره».
يا لها من فكرة لطيفة. ولكن كما يبدو من قرارات الاستبعاد الأخيرة هذا الأسبوع٬ لا يزال ملالي إيران أبعد ما يكونون عن منح الشعب الإيراني تلك الفرصة لاختيار ذلك «المستقبل الجديد والمختلف».