بدا مشهد الاشتباكات التي وقعت في جرود بريتال وأدت الى سقوط عدد من القتلى لـ”حزب الله” مربكا وخطيرا من زاوية ترجمته واضافته بعدا جديدا لانتقال المواجهات من الاراضي السورية مع لبنان الى لبنان وانتفاء الحدود كليا في ظل عجز رسمي عن اعتماد موقف من الحكومة اللبنانية او من الجيش اللبناني. الا انه على الصعيد السياسي ظهر هذا المشهد على تناقض يبرز عدم وجود بوصلة سياسية حقيقية للوضع السياسي الداخلي واتجاهاته وتصاعد المخاوف الكبيرة من انزلاقات تطيح الضمانات المطمئنة بوجود مظلة دولية لا تزال تحمي لبنان. فالمواجهة في جرود بريتال والتي تناقضت الروايات في شأن اسبابها حصلت بين عناصر من “حزب الله” وعناصر من “جبهة النصرة” السورية في استكمال لمواجهات على الشق السوري من الحدود من جهة القلمون فيما التزم الجيش اللبناني البقاء بعيدا عن هذه المواجهة انطلاقا من رفض زجه في معارك لم يعتبرنفسه معنيا بها على نحو مباشر على الارجح في ظل محاذرته الدخول جنبا الى جنب مع “حزب الله” في معاركه السورية الى جانب النظام او استدراجه اليها الى جانب محاذير اخرى. فيما اسبغت الامانة العامة لقوى 14 آذار طابعا على مواجهة “حزب الله” في بريتال انطلاقا من رفضها كما قال بيان صادر عنها “دفاعه عن الحدود” باعتبار ان هذه المسؤولية تقع على عاتق الجيش والمؤسسات اللبنانية. وهو منطق ضعيف وغير متماسك ويصعب صرفه او فهمه سياسيا في حال كان لبنان مهددا على حدوده او في حاجة الى من يدافع عن هذه الحدود بغض النظر عن مدى او نسبة المسؤولية التي يتحملها الحزب في استدراج المواجهات السورية الى الداخل اللبناني.
يسري منذ بعض الوقت ومنذ خطف داعش وجبهة النصرة جنودا لبنانيين في عرسال منطق في الاوساط السياسية خصوصا تلك القريبة من قوى 8 آذار يقضي بضرورة ترتيب الافرقاء السياسيين اولوياتهم من زاوية ضرورة تخطي الاعتبار المذهبي في النظر الى المخاطر التي تحدق بلبنان والتي تتمثل وفق ما باتت ترى هذه الاوساط في احتمال تمدد تنظيم داعش الى لبنان ومحاولة سيطرته على مناطق فيه. وهو الامر الذي يفترض وضع موضوع “حزب الله” والخلاف معه على سلاحه من جهة وعلى تورطه في الحرب دفاعا عن النظام السوري من جهة ثانية من اجل توحيد الجهود لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية. وهو منطق ترجمه رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” هاشم صفي الدين في موقف اطلقه في عطلة الاسبوع المنصرم داعيا الى “طي صفحة الماضي” “ولنلتق جميعا من كل الطوائف والاحزاب ومن كل الاصطفافات السياسية ونتفق على ان خطرا سلمنا بوجوده هو الخطر التكفيري وعلى ان مواجهته تقوم بالصورة الذاتية وستجدون “حزب الله” ليس فقط الى جانبكم في مواجهة الخطر التكفيري بل ستجدونه امامكم في مواجهة هذه المخاطر “كما قال. وبحسب هذه الاوساط فان المشكلة مع “حزب الله” تبقى مشكلة توازن واحجام يمكن معالجتها في اي وقت لاحق على غير الخطر المباشر الذي يشكله تنظيم الدولة الاسلامية خصوصا ان ليس هناك طلاقا بنيويا مع الحزب ولا يجوز وضعه في مرتبة واحدة كما تقول هذه الاوساط مع داعش وان كان تنظيما اصوليا شيعيا لكنه يؤهل نفسه لموقع مختلف على نحو جعل تدخله في سوريا في وقت من الاوقات مقبولا في نظر بعض العواصم الغربية مما قد يشجع على اعتبار “دفاعه عن الحدود والقرى اللبنانية ” بالاهمية نفسها. فضلا عن ان بعض التطورات على الارض كما حصل في جرود بريتال يخدم المنطق الذي يسوقه خصوصا لجهة تخويفه قبل بعض الوقت من اخطار داعش وابداء الاستعداد لمساعدة ابناء القرى الحدودية مع سوريا في البقاع لمواجهة اي مخاطر قد يشكلها عليهم داعش.
من الزاوية الاقليمية، تسقط هذه الاوساط بعض المواقف الدولية مما يقوم به التحالف الدولي ضد داعش في العراق وسوريا على الواقع اللبناني انطلاقا من انه اذا كان لداعش اي ايجابية تذكر فهي تخويف الولايات المتحدة من ابتعادها عن العراق وتخويف ايران من تفكك هذا الاخير وتقسيمه ومن تهديد حدودها وداخلها على نحو مباشر ما دفع بالطرفين الى التلاقي حول العراق. وهو الامر الذي يفترض ان ينسحب بالمعيار نفسه على الافرقاء اللبنانيين لجهة تجاوز اختلافاتهم والتلاقي حول مواجهة عدو واحد. الا ان الاهم هو ما يبرز في تعويل هذه الاوساط ومن بينها اوساط مسيحية على الترويج لهذا المنطق هو الاعتقاد بأنه لا غنى للغرب عن ايران في كل من العراق وسوريا وحتى لبنان حيث ان عرقلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية هي في ملعب قوى 8 آذار وتحديدا “حزب الله” أكان العماد ميشال عون هو محفز هذه العرقلة او واجهتها خصوصا ان ايران باتت تلعب جهارا وبوضوح في مسألة امتلاكها اوراقا اساسية في لبنان من خلال تصريحات مسؤوليها الامنيين عن مساعدتهم للحزب وعن امتداد ايران الى شواطىء المتوسط، ما يضيف شكوكا لدى معارضي هذا المنطق بان التوافق المطلوب يحتاج الى خطوات عملية لانقاذ لبنان في حين يعتقد هؤلاء ان ما يجري يخدم لعبة سياسية اقليمية تزج بلبنان أكثر في اتون المنطقة.