يتحدّث تقرير أميركي بالغ الأهمية منذ أيام قليلة عن أنشطة «حزب الله» في أميركا الجنوبية، وتحديداً في الباراغواي ما اضطر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى زيارة العاصمة اوساسونا والطلب من السلطات فيها التعاون في تطبيق قانون العقوبات الأميركي على «الحزب».
يتفق المحللون على أنّ «حزب الله» بدأ تسلّلَه الى أميركا الجنوبية أواسط الثمانينات حيث أنشأ أوّلَ معقل كبير له في منطقة على حدود ثلاث دول هي الأرجنتين والبرازيل والباراغواي. ومن هذه القاعدة التي تقع في قلب اميركا الجنوبية أسّس الحزب شركات لتمويل عملياته في الشرق الأوسط وغيره من الأماكن. وهذه الأنشطة والأعمال كانت مدرّةً لأرباح كبيرة بكل المقاييس، إذ أفادت دراسة أُعِدّت عام 2004 لحساب كلية الحرب البحرية الأميركية أنّ عمليات «حزب الله» في منطقة الحدود الثلاثية أكسبته نحو 10 ملايين دولار في السنة.
ويقول تقرير صدر عام 2009 عن مؤسسة «راند» الأميركية إنّ «حزب الله» كسب نحو عشرين مليون دولار في السنة في تلك المنطقة ومن ثم فإنّ المنطقة الحدودية الثلاثية تشكّل أهم مصدر تمويل مستقل لدى «الحزب» وذلك حسب رأي الخبيرة الأميركية في شؤون الإرهاب ريتشل اهرن فيلد مؤلِّفة كتاب «تمويل الشر، كيف يتم تمويل الإرهاب وكيف نوقفه» (صدر في 2003).
ويقول الباحث الأميركي دوغلاس فرح «كان الإيرانيون يُنشِئون هياكل إستخبارية وعملانيّة في اميركا الجنوبية منذ الثمانينات، ولا يزال ذلك الاختراق ينمو منذ ذلك الحين، وهو يمتد من البرازيل والأرجنتين إلى كولومبيا وتشيلي والباراغواي والاوروغواي ليتوسّع خارج حدود المنطقة اللاتينية إلى أفريقيا وآسيا.
وفي شهادته أمام اللجنة الفرعية البرلمانية في تموز 2011 قال فرح: «حضور «حزب الله» في اميركا الجنوبية في ازدياد، إنه ينمو في قدراته الاقتصادية وفي تركيزه للنشطاء في المنطقة عبر التوسّع السريع للبعثات الدبلوماسية والاستخبارية والأعمال والاستثمارات الإيرانية».
أمام هذا الواقع، جاءت زيارةُ بومبيو إلى الباراغواي التي تعتبرها الإدارة الأميركية وفق التقرير الأخير «جنّة» «حزب الله» واتهمته بتدشين شراكة خلال الفترة السابقة مع عصابات المخدرات في تشكيل نقطة ارتكاز لعملياته في النصف الغربي للكرة الأرضية.
وأوضح التقرير الأميركي أنّ الأرجنتين والبرازيل أظهرتا استعداداً متزايداً لاتّخاذ إجراءاتٍ ضد عناصر «الحزب»، لكنّ الباراغواي لم تتّخذ الاتجاه نفسه، ما جعلهم ينقلون أنشطتهم اليها. وبات الرئيس الأميركي دونالد ترامب مطالباً بالضغط على رئيس الباراغواي ماريو عبده بينيتيز لتغيير سياسة بلاده حيال «الحزب»، إذ لا تزال إدارته ترفض الاعتراف بوجوده هناك.
وتزعم السلطات الأميركية أنّ نادر محمد فرحات، وهو لبناني برازيلي اعتقلته الشرطة الباراغوانية في أيار 2018 بناءً على طلب واشنطن، من الشخصيات الرئيسة المرتبطة بـ»حزب الله». منذ ذلك الحين تنتظر وزارة العدل الأميركية تسليمه. وتكشف سجلّات المحكمة أنّ فرحات يواجه اتّهامَين منفصلين: تهريب المخدرات في ميامي من جهة، وغسل الأموال في المقاطعة الشرقية في نيويورك من جهة أخرى. وقد وصفته الإدارة الأميركية بالصيد الثمين نظراً إلى خطورة الملفات المتورِّط بها، خصوصاً أنّ كثيراً من الشركات المحلية في البارغواي اعتمدت على أعمال فرحات للصيرفة – المملوكة من الناحية الإسميّة لزوجته- والهدف القيام بغسل الأموال من خلال مبيعات إلكترونية.
يسعى الأميركيون إلى إلزام السلطات الباراغوانية بتسليمهم فرحات خوفاً من هروبه أو تصفيته، وقد حصل ذلك سابقاً مع عنصرين من «حزب الله» كانا متّهمين بتهريب المخدرات وقد نجحا في الفرار من السجن في البارغواي عام 2017.
لم تكن محادثات بومبيو سلسة مع سلطات الباراغواي وأنذرها بعواقب وخيمة إذا لم تتعامل بحزم وجدّية مع توسّع «حزب الله» هناك، بدءاً من تسليم فرحات.
في المقابل، أثنى بومبيو على تعاون الباراغواي لمواجهة حكم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، لكن هذا لا يعني التساهل معها في السماح لـ«الحزب» بغسل المليارات في منطقة الحدود الثلاثية وحماية مموّليها من العدالة الأميركية، لذلك يطالب وزير الخارجية الأميركي سلطات البارغواي بإجراءات تفعّل قدرات النظام المالي لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب تحت طائلة ضمّ الباراغواي إلى القائمة السوداء إذا لن تفي بوعودها مثلها مثل إيران وكوريا الشمالية، ما يعني أنّ هذا البلد الأميركي الجنوبي سيواجه قيوداً مرهقة قد تعوق التجارة والاستثمار.
في المقابل، سألت «الجمهورية» مصادر «حزب الله» تعليقها على الاتّهامات الأميركية ففضّلت التزامَ الصمت.