IMLebanon

«deal» أميركي – إيراني: «كاريش» مقابل ماذا؟

 

 

في وقتٍ يتحضّر لبنان لإتمام الاستحقاقات الدستورية لعلّها تكون مدخلاً للبدء بمعالجة الأزمة التي تكاد ان تقضي على مقومات الصمود المتبقية للدولة والشعب، حملت سفينة «انرجين باور» اليونانية، التي وصلت الى المياه الإقليمية للبدء بالتنقيب عن النفط والغاز في حقل «كاريش»، أزمة جديدة طغت على كلّ الاستحقاقات، وبات السؤال الأول: هل تطرق الحرب الأبواب؟

تعتبر اسرائيل أنّ حقل «كاريش» ملكها ويقع ضمن حدودها البحرية، وهو أمر مُعترف به دولياً، نظراً الى أنّ لبنان حدّد منطقته البحرية بالخط 23، عبر وثيقة رسمية مُسجّلة لدى الأمم المتحدة، وحقل «كاريش» خارج هذا الخط. إلّا أنّ اعتبار البعض في لبنان أنّ الحدود تصل الى الخط 29 الذي يشمل جزءاً من «كاريش» فتح باب البحث مجدداً في البلد حول الحدود البحرية وتعديلها. لكن حتى الآن، لم يعمد لبنان الرسمي الى تعديل المرسوم 6433 بحيث يصبح الخط 29 هو الحدود الفعلية الرسمية للمياه اللبنانية بدلاً من الخط 23، لكي يدخل حقل «كاريش» ضمن المناطق المتنازَع عليها مع اسرائيل.

ويبدو أنّ الجهات الرسمية اللبنانية على علم بأنّ اعتماد الخط 29 رسمياً يعني إنهاء المفاوضات، لأنّ الإسرائيليين لا يقبلون التفاوض على أساسه وكذلك الأميركيين، بحسب جهات مطّلعة. وكان سبق أن حصل أخذ ورد ورَفع سقوف في المفاوضات غير المباشرة بين لبنان الذي طرح الخط 29 واسرائيل التي طرحت الخط 1 الذي يقتطع أجزاء من حقول لبنانية، الى أن رَسا التفاوض على الخط 23 والذي اعتمدته الدولة اللبنانية رسمياً.

أمّا أي رسالة أو كتاب مُوجّه ومودع لدى الامم المتحدة عن أنّ الخط 29 هو حدود لبنان البحرية وأنّ حقل «كاريش» يقع ضمن منطقة مُتنازَع عليها، فلا «أهمية قانونية» له، بحسب السفير الأسبق لدى الولايات المتحدة الأميركية رياض طباره. فالحدود الرسمية والموثقة لدى الأمم المتحدة هي عند الخط 23 وذلك بقرار وطلب رسمي من الدولة اللبنانية، و»الرسالة لا ترسّم حدوداً».

إنطلاقاً من هذا الواقع القانوني، إنّ أي تغيير في الحدود يفتح باباً جديداً للتفاوض، ليس بالأمر السهل. ويشرح طباره أنّ «لبنان يمكنه محاولة تعديل الحدود وطرح الخط 29، ويحق للدولة أن تقول إنّها أخطأت سابقاً في تحديد حدودها، لكن يجب أن يجري ذلك عبر توقيع المرسوم اللازم. كذلك على مستوى المفاوضات، يجب أن تقبل اسرائيل وواشنطن استئناف المفاوضات على أساس هذا الخط، وبالتالي هذا باب جديد للمفاوضات».

لكن بمعزل عن الدراسات والحدود التي سيعتمدها لبنان، يعتبر البعض أنّ بدء اسرائيل بالتنقيب في منطقة تُعتبر أنّها متنازَع عليها أقلّه لبنانياً، في وقتٍ هناك مفاوضات غير مباشرة قائمة بين الطرفين وبوساطة أميركية، يعني ضغطاً على لبنان لانتزاع منه حقوقاً ولكي يوافق على طرح الوسيط الأميركي، أو أنّه استدراج لـ»حزب الله» للتحرك واستهداف هذه السفينة أو اسرائيل ما يعني «إشعال فتيل حرب». لكنّ طباره يرى أنّ «الحرب ليست على الأبواب»، مشيراً الى أنّ واشنطن داخِلة عبر شركة أميركية في موضوع التنقيب عن النفط والغاز في اسرائيل، على أساس أنّ «هناك حدوداً محسومة وموثقة لدى الأمم المتحدة، و»كاريش» خارج الحدود اللبنانية».

لكن على رغم ذلك، لماذا ستُقدم اسرائيل على «هذه المخاطرة» إذا لم يتوافر لها غطاء أميركي؟ ولماذا ستعمد الى استفزار «حزب الله» ومن ورائه إيران بهذه الطريقة وفي هذا التوقيت؟ وهل ما فوق الطاولة يختلف عمّا تحتها؟. يقول طباره: «لا نعرف ما هي المفاوضات من تحت الطاولة، لكن يا تُرى هل يوافق الإيرانيون على حرب اسرائيلية – لبنانية – ايرانية بسبب «كاريش»؟». ويرى أنّ «تصريحات «حزب الله» عن أنه يريد أن تعلن الحكومة اللبنانية أنّ هناك تعدّياً على حدودنا، لكي يتحرّك ويقوم بواجبه الى حدود القوة، تختلف عن تصريحاته المعتادة في حالات كهذه والتي تبدأ بالتهديد بالقوة، فيما أنّه يقول الآن إنّه يريد موافقة وقراراً من الحكومة ثم يتدخل بضغوطات وصولاً الى القوة». كذلك لم تخرج تصريحات ايرانية نارية عن موضوع «كاريش» ولم تتدخّل طهران بعد على هذا المستوى، وهذا «النأي بالنفس» الإيراني يُربط بكلام «حزب الله» الذي يُعتبر أهدأ بكثير ممّا يكون عليه عادةً. وبالتالي لا يظهر من موقف «حزب الله» أنّ «الحرب على الأبواب»، بحسب طباره، وأحد لا يعرف ماذا يحصل «تحت الطاولة»، وهل تحدّث الأميركيون مع الإيرانيين، وهل هناك من «deal» بينهما؟ فهذه الاتفاقات لا تحصل فوق الطاولة.

لكن ما هو هذا الـ»deal» أو المقايضة بين واشنطن وطهران؟ وما الذي ستناله إيران مقابل السماح باستخراج النفط والغاز من «كاريش»؟ يوضح طباره أنّ «كلّ شيء مطروح بين الولايات المتحدة وإيران على الطاولة نفسها، فقد يكون هناك من تساهل ما في المفاوضات حول الاتفاق النووي أو حول أموال إيران المُحتجزة أو أي ملف آخر».

كذلك إنّ أيّاً من القوى الفاعلة والمؤثرة في الشرق الأوسط لا يريد حرباً في المنطقة، لا واشنطن ولا إيران ولا دول الخليج، ولذلك كلّما يصل الوضع الى عتبة الحرب يتمّ إيجاد حلول للمشكلة وإلّا لكانت وقعت حرب في أكثر من محطة، بحسب طباره، الذي يشير الى أنّ واشنطن لا تريد أن تدخل اسرائيل في حربٍ تورّطها فيها، فيما أنّ تركيزها في هذه المرحلة مُنصَب على جَمع العرب مع اسرائيل، وسياستها ذاهبة في اتجاه والحرب في اتجاه آخر، خصوصاً الآن حيث هناك حرب أخرى مندلعة لها تأثير دولي كبير، أي حرب روسيا على أوكرانيا، والتي فرضت على واشنطن وأوروبا البحث عن مصادر جديدة للغاز والنفط، خصوصاً أنّه بحسب الخطة الأوروبية يجب أن تستغني أوروبا خلال سنة أو سنتين عن الغاز والبترول من روسيا. وتندرج زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للرياض ولقائه بولي العهد محمد بن سلمان، بعد كلّ «الأوصاف البشعة» التي نَعتَ السعودية بها، في إطار البحث عن مصادر نفطية وغازية، لأنّ الغاز والنفط مهمان جداً في الوقت الحاضر، والسعودية مصدر يَتّكل عليه الأميركيون. وبالتالي إنّ لبنان «يغنّي بعيداً عن عزف الأوركسترا الإقليمية والدولية في هذه المرحلة».