IMLebanon

مخطط أميركي إسرائيلي: الجناح السياسي لـ”حماس” بدل العسكري!

 

ما يحدث من تطورات مرافقة للعدوان على قطاع غزة ومعه الضفة الغربية يشير إلى أن العملية الإسرائيلية ليست قريبة الانتهاء مثلما أن نتائجها ما غير قريبة الجلاء، إذا ما استثنينا عدم تحقيق الهدفين الرئيسيين للعدوان: سحق حركة “حماس” واستعادة الرهائن.

سيكون هناك الكثير من التطورات العسكرية في الفترة المقبلة للإجابة عن هذين السؤالين لكن الغموض يكتنف الاجابة عن سؤال لا يقل أهمية عن هدفي الحرب، ما هو مستقبل غزة؟ ما يستتبع سؤالاً آخر: ما مستقبل الصراع وعملية السلام مع الفلسطينيين؟

كل الإجابات مرتبطة بالكباش العسكري الحاصل ونتائجه وبقدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود في وجه الآلة العسكرية للاحتلال، وبمقاومة الشعب الفلسطيني نفسه لمخططات واحدة من أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا على مر تاريخ الدولة العبرية.

لا يتعلق الأمر فقط بمدى تحقق الهدفين الرئيسيين للعدوان، بل أيضا بما تخطط له حكومة بنيامين نيتانياهو ويتراوح بين ما بعد العملية العسكرية عبر حكم القطاع أو إدارته، وما بعد الانتهاء من المسألة الغزية برمتها كما يخطط عتاة التطرف الإسرائيلي.

“عرب غزة”، الإسم الذي يوسِم به الإسرائيليون الفلسطينيين في القطاع (وكل الفلسطينيين بطبيعة الحال) مُخطط لهم بالتهجير نحو مصر بعد تدمير “حماس” وإحلال إدارة فلسطينية تحت الإمرة الإسرائيلية برعاية دولية وربما عربية.

هذا على الورق وفي مخيلة الاحتلال، أما على الأرض فالأمور لا تسير على منوال الاحتلال الذي يصطدم بمقاومة عنيفة وبتعرضه لخسائر كبيرة يوميا، وهو يواجه معضلة الوقت الذي لا يبدو على بياض، أميركيا ودوليا، وسط انقلاب في الرأي العام الدولي لا تستطيع الإدارة الأميركية وأكثر الأوروبيين تطرفا مثل ألمانيا وبريطانيا وحتى فرنسا، تجاهله طويلاً لا سيما وأن حل الصراع هو مصلحة أوروبية أيضاً لأسباب عديدة..

كما اصطدم نيتانياهو بموقف عربي ضد التهجير لا سيما من مصر والأردن ومعهما الموقف الذي خرج من القمة العربية في الرياض، ما أجهض أي مشروع إسرائيلي طموح للتطبيع مع بعض العرب من دون إيجاد حل “عادل” للقضية الفلسطينية.

ما يجهله الإسرائيلي، أو أنه لم يتوقعه مع بدء مجازره، هو أن شعبية “حماس” ارتفعت مع كل مجزرة جديدة في حق الفلسطينيين، وحتى موقف بعض العرب المناوىء للحركة بات رديفاً أمام المطالبات بوقف إطلاق النار أولا قبل الشروع في أية مفاوضات تتعلق بالرهائن ناهيك عن مستقبل التسوية وغزة.

يعلم الإسرائيليون بأن أي إيقاف للحرب تحت عنوان وقف النار أو الهدنة، سيكون لغير صالحهم وسيعثّر من اندفاعهم وهذا ما يفسر وقف “حماس” المفاوضات برعاية قطرية وإشراف أميركي مع استهلال حصار المستشفيات وعلى رأسهم “مجمع الشفاء”..

على أن استشراف الإجابات على كل الأسئلة المطروحة دونه صعوبات، والواضح بأن الزلزال الحاصل مهما كانت نتائجه سيكون وبالاً على مستقبل حكومة نيتانياهو وعليه شخصيا، كما أن توجيه ضربة قاصمة لـ”حماس” ناهيك عن صعوبته، ليس متاحا في الأمد المنظور نظرا إلى المقاومة الشديدة كما الى شعبية الحركة في الشارع الفلسطيني، ثم ان هزيمة “حماس”، على افتراضها، ستكون مشابهة لما حدث في لبنان العام 1982 حين أطلقت هزيمة “منظمة التحرير الفلسطينية” شرارة المقاومة في وجه المحتل وخلقت “حزب الله” نفسه.

 

لا مفر من التسوية

بغض النظر عن السيناريو الإسرائيلي الحالم، بات لزاما إعادة عجلة الدوران لعملية التسوية مع الفلسطينيين بمؤازرة عربية ورعاية دولية.

والواقع ان أصواتا داخل السلطة الفلسطينية وحركة “فتح” وحتى أصواتا عربية باتت تطالب بإدماج “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في منظمة التحرير وتشكيل جبهة واحدة تبني شرعية جديدة على قاعدة انتخابات فلسطينية في غزة والضفة وفي الخارج لصياغة سلطة جديدة بعد ضمور النظام الذي قامت عليه منظمة التحرير وتعرض اتفاق أوسلو للضربات بعد قليل على الاتفاق عليه وتوقيعه قبل نيف و30 عاماً.

لا يريد المتطرفون الإسرائيليون السماع بـ”حماس” أو حتى بالسلطة الفلسطينية التي يتهمونها بالتواطوء والسكوت عما فعلته “حماس” مع أن الإسرائيليين هم من وجهوا ضربة قاصمة للسلطة على مر السنوات الماضية من دون تجاهل مسؤولية السلطة نفسها..

ثمة فكرة أميركية تقوم على إعادة تعويم السلطة لكي تدير غزة بعد الحرب، لكن السلطة نفسها لن تقبل بأن تظهر حارسة للاحتلال وأن تأتي على الدبابة الإسرائيلية مثلما ان ذلك سيؤدي الى اقتتال فلسطيني داخلي لا يريده أحد.

هنا يطرح البعض في الغرب وفي الدوائر الإسرائيلية توفير الفرصة للاحتلال لكي ينتهي من الجناح العسكري لـ”حماس” والشروع في مفاوضات مع الجناح السياسي في الخارج الذي لا يحتفظ بعلاقة متينة مع إيران و”حزب الله” علّه بذلك يستدرجه الى التعايش مع الدولة العبرية.

هنا أيضا يقع هؤلاء في خطأ عدم معرفتهم بطبيعة “حماس” علما أنها قبلت قبل سنوات بحل الدولتين لكن على طريق التحرير المقبل، وبجهلهم بطبيعة الصراع نفسه كما بطبيعة الشعب الفلسطيني الرافض للاحتلال، لذا يخرج رأي فلسطيني مدعوم من جهات عربية قائم على اشتراط وقف النار أولا قبل تنظيم انتخابات تفرز ممثلي الشعب الفلسطيني يتحملون مسؤولية أية تسوية مقبلة للصراع مثلما يتحملون مسؤولية التقارب مع العرب والدول الإسلامية المؤثرة مثل إيران وتركيا وغيرهما. كل ذلك على أن يكون الحل شاملاً ولا يشتمل على غزة فقط.

في كل الأحوال هي سيناريوهات مقبلة غير منظورة ويبقى الميدان هو الحكم لمنع ترانسفير جديد ما زال الإسرائيليون يأملون به وسيبقون كونه ما زال حلما قديما منذ الآباء المؤسسين لدولة إسرائيل. لكن التاريخ يخبرنا بأن أية مقاومة جديّة قد انتصرت وهذا النصر لم يتحقق من دون تضحيات تفوق خسائر الإحتلال، والتاريخ يخبرنا أيضا بأن افتقاد تناسب القوة اليوم ليس الفيصل في الانتصار كون إسرائيل لم تتراجع يوما من دون الضغط العسكري الذي لا يحقق المطلوب كاملاً من دون مُوازيَه السياسي.