Site icon IMLebanon

جواباً على أسئلة الموفد الرئاسي الفرنسي

 

بادئ ذي بدء، كل الشكر للرئيس الفرنسي على اهتمامه اللافت بلبنان، ولموفده لودريان على كل ما يبذله من جهد لتمرير الاستحقاق الرئاسي، الذي كان من المفترض أن يمرّ روتينيا وفق أحكام الدستور  اللبناني والأعراف التي تحكم الاستحقاق إلّا ان هذه المهمة في لبنان صعبة بل شبه مستعصية، لا لأن الدستور غير واضح وملتبس، بل لأن الناخبين الفعليين في لبنان خلوَّا من أي انتماء وطني، كما من أي حس إنساني؛ ولاءهم الوحيد فئوي – شخصاني، وهنا يكمن التعقيد. ولو لم يكونوا كذلك لما كان لدينا في لبنان أزمة استحقاق رئاسي ولا أزمات تعطيلية بين الفينة والأخرى وفي تشكيل الوزارات، ولا حتى اقتصادية أو مالية أو معيشية الخ…

مشكلة لبنان وكل أزماته وكبواته تكمن في لا وطنية المتحكمين بإدارة دفّة الحكم وأصحاب القرار في سلطاته الدستورية الثلاث. نعم الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية؛ أقول هذا وأنا مرتاح الضمير.

المبعوث الرئاسي الفرنسي من السياسيين المخضرمين المشهود لهم بحنكته السياسية، ورغم ذلك نجده متعثّرا مربكا في مسعاه، كما تعثّر من قبله رئيسه ومكلّفه بالمهمة الشاقة إيمانويل ماكرون عندما أتى لبنان بُعيد انفجار المرفأ، وزيارته الأخرى التي التقى فيها بصنّاع القرار لدى مختلف المكونات السياسية الأساسية في لبنان.

لودريان الذي وجّه أسئلة للكتل النيابية، ليس بجاهل بالدستور اللبناني المنبثق من روحية دستور الحمهورية الثانية في فرنسا، وهو مدرك أن الانتخابات الرئاسية في لبنان هي من صلاحية مجلس النواب، حصرا، وهو يعي جيدا أن النص الدستوري واضح وضوح الشمس، ويحدّد آلية الانتخاب، بل يتضمن في ثناياه ما يحول دون الشغور الرئاسي، بتبنّيه وسيلة ضغط معنوي تقوم على اعتبار المجلس بحالة انعقاد دائم منذ بدء الأيام العشر الأخيرة من ولاية رئيس الجمهورية وانه يكون بمثابة هيئة ناخبة، وبالتالي ليس له أن يقوم بأي عمل آخر تشريعي أو غير تشريعي. ولكن السؤال الذي يطرح ذاته إذن: لماذا تبنّت فرنسا وموفدها لودريان موقف الثنائي الحزب – حركة وسار بالدعوة للحوار وإن «شلبنها» بحصر الحوار في موضوعين، ما ينبغي القيام به مستقبلا لإخراج لبنان من تعثّره؟ وما هي مواصفات الرئيس العتيد؟

وقبل تحديد موقفنا كمواطن لبنان حيادي بالنسبة لمكوّني ٨ و١٤ آذار، متحيّز فقط للوطن في انتمائه وولائه، أرى من الضرورة بمكان الإشارة إلى بعض الجوانب الدستورية من خلفيتي القانونية كمتخصص في القانون وكمتابع للمجريات المحلية والاقليمية، وفي هذا الإطار ينبغي تسجيل ملاحظتين الأولى شكلية والأخرى موضوعية:

أولا: من حيث الشكل: إن انتخاب رئيس للجمهورية (رأس الدولة ورمزها وضامن سيادتها) أمر سيادي بامتياز، لا بل يتصدّر كل الأمور السيادية، وبالتالي يفترض إنجازه محليا دون أي تدخّل خارجي، وبالتالي كان من المفترض أن يكون أهل الحكم (السياسيون النافذون أحرص ما يكون على ذلك) ولكن كنت أسمعت لو ناديت ضميرا حيّا ولكن لا ضمير فيمن ننادي ونناشد.

الأمر الآخر إن الحوار خارج نطاق قاعة المجلس ينطوي على مخالفة فاضحة لأحكام الدستور، إذ ينبغي تفرّغ النواب حصرا لعملية الانتخاب، والتي يوجب الدستور أن تجرى بالاقتراع السري، حرصا وضمانا لتمكين كل نائب من التصويت للمرشح الذي يراه أنسب للمصلحة اللبنانية العليا، ووفق ما يمليه عليه ضميره، وبما يتماشى مع تطلعات ناخبيه (أي من يمثلهم).

ثانيا: من حيث المضمون أي موضوعيا، إن التحاور بين المكونات اللبنانية الأساسيَّة من أجل الاتفاق مسبقا على رئيس قبل عملية التصويت ينطوي على خرق لأهم مبدأ من المبادئ الديمقراطية «ألا وهو إعمال رأي الأكثرية» والذي يتبلور بعملية الانتخابات والتي ينبغي أن تجرى وفق الآلية المحددة في الدستور، وبالتالي أي اتفاق مسبق يكون بمثابة تعيين لا انتخاب، وأي حوار حول شخص الرئيس أو صفاته أو مزاياه يخالف مبدأ سرية التصويت، وبالتالي ينطوي على إكراه معنوي وربما قد يصل الى حد الإكراه المادي نتيجة ما يوحى به من تهديدات.

الأمر الآخر، وهو لا يقلّ خطورة عما ذكر إن الحوار برعاية دولية أو إقليمية أو كليهما أو من دونهما سيأتي أقرب إلى فرض رئيس، «يعيّن بانتخابات صورية» كترجمة لما يتفق عليه بنهاية الحوار. وبالتالي سيكون بمثابة السير بحل ممكن وليس بالحل الأفضل، كما ينطوي على تكريس عرف أو أعراف قاتلة دستوريا. وهذا يدعونا للتذكير باتفاق الدوحة الذي غلَّب مشيئة فريق على آخر، وها نحن اليوم ندفع ثمنه لأنه كرّس نمطا من الابتزاز السياسي «يقوم على تبنّي وسيلة تعطيل الاستحقاقات لفرض مشيئة مكوّن على باقي المكوّنات»، وبالتالي الاحتكام للقوة بدلا من الاحتكام للعملية الديمقراطية التي تجسدها عملية الانتخابات ونتائجها.

وهنا ربّ سائل يسأل: أين المفر للخلاص من المأزق الحالي، والذي يبدو أنه تتحكم فيه لعبة عض الأصابع (ولكن للأسف انها تحصل مع فارق ان المتألم منها لا الأطراف المتحاورين إنما الشعب المغلوب على أمره).

ونرى كمخرج للحل في هذا الإطار أنه وفي ظل الاصطفافات السياسية العامودية الحادّة التي نشهدها اليوم لا بد من أن يتنازل كل طرف عما يعتبره مسلّمات وخطوط حمر، بحيث يقبل الرافضون للحوار حضور جلسة الحوار التي سيدعو إليها الرئيس الفرنسي من باب اللياقة ولكن من دون الأضرار بالمبادئ الدستورية، بتسجيل تحفظهم على كون الأمر ينطوي على مخالفة دستورية، ويقبل الفريق الآخر بتخلّيه عن التشبّث بمرشح وحيد، كما بحضور جلسة انتخاب تبدأ خلال ٤٨ ساعة من انتهاء الحوار.

٢ – أن يجرى الحوار تحت قبة البرلمان اللبناني على أن يحل الرئيس الفرنسي وموفده كضيفي شرف.

٣ – أن يكون أول بند في الاتفاق المزعوم التأكيد على روحية الدستور واعتماد تفسير واضح يحول دون تكرار تعطيل هذا الاستحقاق مستقبلا.

٤ – إبقاء الحوار مفتوحا لحين الاتفاق على مزايا رئاسية «ذات بُعد وطني ومنزّهة عن الاصطفافات الفئوية وخارج إطار اصطفافي ٨ و١٤ آذار».

٥- رفض مبدأ الاتفاق على ما يعرف بالسلة المتكاملة وبخاصة الاتفاق على اسم رئيس الحكومة أو كيفية تشكيل الحكومة أو بيانها الوزاري، ولا حتى التداول بأسماء مقترحة للمراكز الوظيفية الهامة والشاغرة أو على وشك الشغور.

٦ – التأكيد على ضرورة إنجاز الاستحقاقات الدستورية مستقبلا بمواعيدا من دون أي تأخير.

٧- التأكيد على مبدأ عدم التجديد لأي شخص في أي منصب كان (سياسي أم وظيفي، مدني أو عسكري). التزاما بروحية مبدأ تداول السلطة.

٨ – تحديد موعد لالتئام أعضاء مجلس النواب في القاعة العامة للمجلس خلال ٤٨ ساعة من ختام جلسات التحاور، لإجراء دورات تصويت متتالية والتزام النواب بالحضور والتواجد على الدوام لحين الانتهاء من انتخاب رئيس للجمهورية.

وأختم بالتشديد على موافقة المدعوين المسبقة أي قبل البدء بالحوار على الالتزام بالبند الأخير (٨).

وان كان من كلمة نصوحة لأي مكوّن بعدم الامتناع عن الحضور ولو بدا بعضهم أنه خاسر بالشكل، لأن الجدوى في المضمون وبالتالي ما سيؤول إليه الحوار، وذلك رأفة بالوطن والموطن، وسحبا للذرائع التي يتلطّى خلفها البعض.