ذهبت السعودية الى التصعيد الكامل مع حزب الله، وفي الحقيقة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، غير متجاوبة مع اليد الممدودة كل الفترة الماضية من طهران، ودعوات المسؤولين الايرانيين.
عندما تجري مراجعة وسؤال اول لبعض الشخصيات السياسية والاعلامية السعودية عن هذا التعنت، يجيبون بتعنت اكبر، انها المرة الاولى التي يتصرف العرب مع الاميركيين وغير الاميركيين بتوجهات جدية، اذ اخذت الادارات الاميركية فكرة دائمة ان السعودية لا تقاتل وهادئة ولا تتخذ مواقف حاسمة وحازمة. واليوم يثبت العرب انهم جديون ومستعدون للحرب؟؟؟
وهنا برز السؤال المنطقي الثاني لهؤلاء، يعني عندما اخذت المملكة قرارات التصعيد والحرب، راحت تحاول عرقلة النووي الايراني بدل الاسرائيلي الذي بات له منذ العام 1951، يعمل عليه بدعم فرنسي وبريطاني واميركي، وعندما ارادت المملكة ان تحارب، اعلنت العدوان على شعب فقير، وهو الشعب اليمني، ولم تعلن الحرب على تل ابيب، او لم تقدم دعماً بالسلاح والمال والرجال للمقاومة السنية في فلسطين ضدّ المحتل.
اجاب هؤلاء الكتاب والعاملين في الشان السعودي العام ببساطة متناهية، ايران تشكل خطراً داهماً علينا وليس اسرائيل، ايران برأيهم تشكل خطراً على الانظمة وتتدخل في الشؤون الفلسطينية وتدعم حزب الله، كما دعمت «حماس» و«الجهاد» وبعض الفصائل الفلسطينية الاخرى.
ولماذا لم يصر الى التوجه الى طهران مباشرة او عبر وسيط كقطر او سلطنة عُمان او باكستان، فيما الجميع حاول لعب ادوار مباشرة لتقريب وجهات النظر بين السعودية وبين الايرانيين، فطهران اقرب من تل ابيب وما يجمعكم معها من دين او «جيرة» على الاقل اهم بكثير من التعاون مع اسرائيل، التي تقتل المسلمين السنة في فلسطين منذ عام 1948؟ فكان جواب هؤلاء السعوديين ان لايران مشروعاً توسعياً – فارسياً وبالاحرى شيعياً في المنطقة العربية، وهي تدعم حزب الله والمعارضة في البحرين والشيعة في المملكة والعراق ونيجيريا، ولها اطماعها الفارسية؟
الا ان الردّ على هذا الكلام جاء ببساطة من مقربين من السياسة الايرانية فأكدوا ان ايران دعمت بقوة مقاومة حماس الاخوانية السنية في فلسطين كما دعمت مقاومة حزب الله في لبنان، واعلنت رفضها للتضييق على الاكثرية الساحقة في البحرين كما يفعل النظام، لكنها دعمت المسلمين السنة في البوسنة عندما غاب العرب عن الساحة.
وعما يجري في المنطقة العربية ينافي ما تتحدث به السعودية عن مشروع شيعي توسعي لايران، فالواضح ان العواصم المضطربة في المنطقة عواصم سنية مئة بالمئة وهي فلسطين وليبيا، وتونس وسوريا، وحتى الاقتتال الذي يدور، هو داخل المدن والقرى السنية، ومن يذبح السُنة هم «داعش» و«النصرة» اللتان تنتميان الى المذهب الوهابي الحاكم في السعودية، وكل الجماعات التكفيرية الدينية خرجت من السعودية وليس من طهران، وتلك الجماعات وصلت الى افغانستان وباكستان ومن هناك الى داغستان وقرقيزيا ومصر وسوريا وليبيا والعراق واليمن ونيجيريا والصومال، اذن الاقتتال بالمعنى المذهبي سنياً – سنياً ضد الانظمة العربية، التي لا يوجد بينها اي نظام من الشيعة.
جواب السعوديين ان ايران تشكل تهديداً على العرب…؟؟؟
بالمقابل شدد المقربون من ايران انها تقيم افضل العلاقات مع قطر وسلطنة عُمان والكويت والامارات حتى في زمن الحصار والعقوبات كانت دبي مركزاً مالياً هاماً لطهران. كما انها تتعاون مع هذه الحكومات وغيرها بشكل واضح وكبير وجلي في مختلف المجالات، وايران الاسلامية لم تكن كأيران الشاه الذي فرض شروطه على العرب بكل المجالات وكان مصدر التهديد الدائم، بل كانت ثقافة الاحتقار هي السائدة وليس ثقافة حسن الجوار في عهده.
وفي السياق نفسه، تقول صحيفتي «الغاردين» و«الانديبندنت» البريطانيتين، ان المملكة تسعى الى تحشييد المسلمين السُنة معها، تحت عنوان الخطر الشيعي او الفارسي ـ الشيعي، ولذلك هي مستعدة لفتح كافة خياراتها، لتحقيق هذا الهدف، والضغط على العرب والمسلمين من خلال التلويح بالفتنة، كما الضغط على البيت الابيض، وتحدي اوباما الذي جمع قادة العرب في كامب ديفيد قبيل الاتفاق النووي وابلغهم «ان ايران لا تشكل خطراً عليكم، ونحن مستعدون لحمايتكم، لكن الخطر الحقيقي عليكم هو من داخل دولكم، حيث غياب للحريات السياسية والاعلامية وحق المرأة، والخطر الاكبر من الفكر التكفيري الذي يتخرج من مدارسكم الدينية، التي بات يشكل خطراً على الانسانية».
عندما ينقل هذا الكلام الى احد الديبلوماسيين العرب المخضرمين يقول: هو طريق نهاية تمشي عليه السعودية وتفتح ابواب النار عليها.
اما الايرانيون يبتسمون قبل ان يقولوا، المشكلة هي ان هذه الانظمة اختارت عدوها الديني والجغرافي – اي اسرائيل على ان تُقيم علاقات مع ايران، وانها تعتبر منذ البداية، المفاومة ضدّ اسرائيل «عملية مغامرة»، فيما ايران تدعم هذه الحركات في فلسطين ولبنان، كما انها تقف بوجه مشاريع تقسيم المنطقة، وترفض حتى تقسيم السعودية.