انتهت قمة بيروت الإقتصادية على وقع سجالات سياسية داخلية آخذة بالتصعيد، في ظل معلومات عن تحوّل الساحة اللبنانية إلى منصّة لتصفية الحسابات الإقليمية، وما بين الأطراف اللبنانية على كافة انتماءاتها وتوجّهاتها، ربطاً بما سبق الإعداد لقمة بيروت وما بعدها، في حين أن ثمة تراكمات وخلافات قائمة منذ مرحلة تأليف الحكومة، وتحديداً السنّية، والمتمثّلة بالمطالبة بتوزير أحد السنّة من قوى الثامن من آذار.
من هنا، تتوقّع مصادر سياسية متابعة ومواكبة لمسار ما يحصل اليوم، أن تكون الأيام المقبلة حافلة بـ «الكرّ والفرّ» بين هذه الأطراف المتخاصمة، إذ هناك أجواء عن توجّه لدى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لحسم خياراته بشكل نهائي، إن قبل هذا الطرف أو لم يقبل، ولا سيما أن الفريق المناهض للعهد يعتبر أن رئيس الجمهورية تمكّن من عقد القمة في ظل أجواء بالغة الصعوبة وكان مرشحاً أن تلغى، واستطاع أن يأتي بأمير دولة قطر الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى لبنان، في وقت أن خصومه يرون أن القمة كانت فاشلة على كل المقاييس، وثمة اتهامات من بعض المقربين من العهد، بتسخير القوى الأخرى إعلامها وإمكاناتها لتفشيل القمة، وحيث غمز وزير الخارجية جبران باسيل، أكثر من مرة من قناة رئيس مجلس النواب نبيه بري ونوابه وحركة «أمل».
وعليه، فإن الرئيس عون سيقوم بدوره بتصفية الحسابات مع الذين حاولوا تفشيل القمة وتوجيه ضربة قاسية للعهد، وأنه يلمس أن هناك مخطّطاً لإفشال مسيرته عبر حملات يومية.
من هنا، فإن هجوماً معاكساً يرتقب أن يبدأ على غير صعيد، مما ظهر بوضوح من خلال دعوة الشيخ ناصر الدين الغريب، للمشاركة في القمة الإقتصادية العربية، وهو المعيّن من دارة خلدة، ولا يكتسب الصفة الشرعية، مما أغضب رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط وفريقه السياسي، الذين ردّوا على العهد وفريقه، متّهمين إياه بمحاولة الإلتفاف على زعيم المختارة، والدخول إلى البيت الدرزي، استكمالاً لما كان حصل من تظاهرة إلى المختارة، ومهرجان الجاهلية، وصولاً إلى مواقف النائب طلال إرسلان التصعيدية تجاه رئيس الحزب الإشتراكي و«اللقاء الديمقراطي» والحزب التقدمي.
فهذه العناوين، معطوفة على الخلاف المشتعل بدوره بين بري وباسيل و«التيار الوطني الحر»، وصولاً الى العلاقة المتردّية بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي، ومن ثم ما حصل في الصرح البطريركي في بكركي بين الوزير السابق سليمان فرنجية وباسيل، وهو ناجم عن تراكمات و«قلوب مليانة» بين الطرفين، فهذه القضايا التي تضجّ بها الساحة الداخلية، تؤشّر إلى انفجار سياسي في هذه المرحلة، مما يبقي مسألة تأليف الحكومة رهن هذه الأجواء، على الرغم من معاودة المساعي الهادفة لتشكيل الحكومة الجديدة، وقد يكون هذا التوتّر السياسي ضمن رفع سقف الشروط في عملية تشكيل الحكومة، لا سيما وأن هناك معلومات عن شبه حسم مسألة حكومة من 32 وزيراً، والتي وافق عليها الرئيس سعد الحريري، حسبما ينقل عن المحيطين به وفي الإعلام.
وبالتالي، فإن ذلك يؤكد أيضاً بأن الرئيس الحريري يوالي رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر»، وقد ألمح إلى ذلك في كلمته الأخيرة في «البيال» حول جنون البعض من تحالفه مع «التيار الوطني الحر»، إنما ذلك رسالة للكثيرين عن علاقته الطيبة مع رئيس الجمهورية والوزير باسيل، ومن ثم ما أشار إليه حول أسفه لغياب ليبيا، مما يعني أنه يميل في هذه المرحلة إلى رئاسة الجمهورية و«التيار البرتقالي».
لذا، تعتقد المصادر نفسها، أن هذه الأمور مجتمعة سيكون لها دورها في إعادة رسم خارطة جديدة في الداخل اللبناني على صعيد التحالفات السياسية، ربطاً بما نتج عن القمة الأخيرة في بيروت، ومن ثم ما يجري في المنطقة من تحوّلات وتطوّرات تترك بدورها تداعيات على الداخل اللبناني، وهذا ما ستكشفه الأيام المقبلة، من خلال ما ستؤدي إليه الإتصالات الجارية لتشكيل الحكومة، ومن ثم كيف ستكون عليه العلاقة بين الرئيسين عون وبري، إضافة إلى الواقع الحالي الدرزي ـ الدرزي، الذي يشهد تجاذبات على أكثر من خلفية داخلية وإقليمية، مما يؤشّر إلى مرحلة جديدة في لبنان، ستكون دونها صعوبات على كافة المستويات.