حين دفع “حزب الله” بميليشياته الى أتون الحرب السورية لتدعيم النظام، إنما كان ينفذ، باعتراف أمينه العام، أمراً غير قابل لأي نقاش في خدمة رؤيا الولي الفقيه، التي اقتضت، في الآن نفسه، تزاحم ميليشيات مماثلة، من جنسيات عربية وإسلامية، لكن شيعية دائما، على تنفيذ التوجهات نفسها، في سوريا والعراق واليمن.

هي حركة شطرنج هجومية، ببيادق عدة، على رقعة العالم العربي، تكمل نقلات بدأها نظام الولي الفقيه منذ حل في مقام الشاه، باحثاً عن سطوة اقليمية، مرة بإسم تصدير الثورة الإسلامية، ومرة بإسم تحرير القدس.

في ما خص لبنان، كان الحزب يضع سلاحه، عملياً، على طاولة المفاوضات الدولية السياسية المنتظرة بعد انجاز اتفاق المجتمع الدولي مع طهران، على قدرتها النووية. فسلاح الحزب صار قوة اقليمية، فتحت أبواب لبنان على رياح مساومات النفوذ الآتية، ولم تعد “الاستراتيجية الدفاعية” على طاولة الحوار الوعاء المناسب لإستيعابه.

السلاح نفسه، ببعده الاقليمي، يساند عناد الجنرال عون في زعم حق “تاريخي” في رئاسة الجمهورية، لا يفتقد الحجج “المقولبة” “لتبرير مظلومية” عونية يريد رفعها، بديموقراطية مفصلة على قياس آماله، ونزوته الرئاسية.

والسلاح نفسه، يجمد قضية العسكريين المخطوفين عند حد سكين ارهاب “داعش” و”النصرة”، ويدفع في إتجاه التنسيق مع النظام الأسدي، عسكرياً وامنياً، ولو ارتفع عدد المذبوحين. هي 3 مفاصل تربط لبنان، سياسياً وأمنياً، بالمجرى الإقليمي للأحداث، يُثقلها رابع، هو ملف اللاجئين السوريين، ببعديه الإنساني والأمني.

برغم ذلك، لا يعدم اللبنانيون “اشارات” الأمل، التي تطلقها تحركات ديبلوماسية دولية، كما تفعل فرنسا عبر موفدها فرنسوا جيرو، أو الإتحاد الأوروبي بإيفاد فيديركا موغيريني، والاتحاد الروسي بزيارة موفده الرئاسي مخائيل بوغدانوف.

أين جدية هذه الاشارات من الحلول؟

لا يبدو الحزب المسلح مستعدا لتقديم أي تراجع في أي من المفاصل الثلاثة، فلا عودة من سوريا، تحت حجج متعددة. ولا تعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية، بتلط وراء حق مزعوم للجنرال، و”إخلاص عذري” لحلمه الرئاسي. ولا مخرج للمخطوفين من دون رضى نظام الأسد، وتنسيق معه. فتراجع “البيادق” الايرانية ليس قرارا موضعيا يتخذه الحزب في لبنان، أو الحوثيون في اليمن، أو الحشد الشعبي في العراق. فالكل يخضع لاستراتيجية دولة الولي الفقيه، وطموحها الإقليمي الذي لم يعد احتمالا، وصار واقعا فاقعا، إلى حد لم يعد تعامي القوى العربية الفاعلة، على ندرتها، ممكنا، بدليل “المقاومة” السعودية، بالنفط والديبلوماسية وبعض القوة الهادئة.

لكن المراوحة الراهنة لاتمنع أمرين: تدعيم الاستقرار الهش، وتحضير الحلول للحظة المؤاتية، عندما تسكن الرياح الإقليمية الدولية، وترسو المنطقة على بر تفاهم شامل.

ألم تتراكم مشاريع الحلول للحرب في لبنان، وعليه، منذ انطلقت، إلى أن ولد اتفاق الطائف من رمادها؟