Site icon IMLebanon

محاولة لاستعادة الفرصة الضائعة

ربما لم يمرّ زمن منذ ثلاثينات القرن الماضي عندما تكاتفت الفاشية والأزمة الاقتصادية لإنتاج الحرب العالمية الثانية، يشبه الزمن الحاضر لناحية الانسداد في الآفاق وتحطم الآمال وصعود النزعات العدمية.

في منطقتنا، تغرق مصر في عجائبها اليومية ويزداد الاستعصاء عن فهمها وإدراك ما تنطوي عليه غرائب سياستها واقتصادها، فيما يستسلم العراق مرة جديدة للضغط الإيراني ويجعل من «الحشد» الطائفي جزءاً من منظومات الدولة مدشناً فصلاً جديداً من الحروب الأهلية المزمنة. وتنطفئ شعلة الثورة السورية بعدما أُغرقت في دماء ملايين السوريين وحولتها القوى الإقليمية إلى صراع جيو-سياسي. أما لبنان فيقف مشدوهاً متسائلاً عن معنى وجوده ودوره في ظل عامين ونيف من الفراغ في رئاسة جمهوريته وشلل مؤسساته واستيلاء ميليشيات الأمر الواقع على الحيز العام وظهور الفساد كمؤسسة وحيدة يجتمع من حولها كبار القوم وصغارهم.

نحن عند مفترق طرق لم يعرفه المشرق العربي منذ أكثر من مئة سنة. وما يزيد عمق الأزمة أن كل الطرق المتاحة تحوم فوقها غيوم داكنة تنذر بعواصف لا قبل لأقدام أبناء هذه الشعوب المنهكة على تحملها والسير في الوحول التي ستنجم عنها.

ينتهي عصر النفط نهاية سريعة فيما لا تزال عقلية الإنفاق من الريع النفطي على حالها. يحمل العالم على الإسلام ويتهمه بالدفاع عن القتل والسبي وكل ما يخطر على البال من ممارسات همجية من دون أن يتطوع أي من أركان المؤسسة الدينية لاعادة النظر في الأدبيات التي استغلها إرهابيون لا يربط بينهم سوى اليأس والرغبة في الانتحار، في نشر الموت والدمار. تتغير البنى الاقتصادية والسياسية في العالم بأسره في وقت يصر العرب على التمسك بسلوك وأفكار باتت تهدد بفقدان الحد الأدنى من التماسك الوطني والاجتماعي.

صعود اليمين المتطرف الغربي المستفيد من الحال التي وصلت إليها عولمة جائرة فاقمت إلى حدود غير مسبوقة من التفاوت في مستويات المعيشة وفرص الحصول على رعاية صحية مناسبة ودمرت الحق في الحياة الكريمة والتهمت ملايين فرص العمل في بلاده على حساب استغلال وحشي لفقراء العالم الثالث، هذا الصعود انعكس في بلادنا تعميماً لخطاب الكراهية والهويات الطائفية والعداء للديموقراطية وانتظاراً للخلاص من قبل حاكم مُلهم أو مهدي منتظر.

تدعو إلى الإحباط المواكبة العربية لوقائع الانقلاب التركي الفاشل على سبيل المثال، حيث بدا من الصعوبة بمكان إدانة الانقلاب وإدانة استغلاله لفرض المزيد من التسلط والتفلت من ضوابط العملية الديموقراطية، على حد سواء. وتبدو فارغة أكثر من أي وقت مضى تلك الرهانات على «المدى الطويل» الذي ينبغي أن يجلب الرفاه والعدالة للفئات الاجتماعية الأكثر تضرراً من الوضع الكارثي الحالي. ولا بأس من القول أن الأعوام المقبلة ستشهد عواقب الإفشال الواعي للثورات العربية التي شكلت فرصة تاريخية (مفوتة) للانضمام إلى العصر، وأيضاً عواقب الانفكاك غير الواعي وغير المسؤول لكتل عريضة من المواطنين العرب عن الثورات والانكفاء إلى كهوف الحكومات العسكرية وبؤر تجار الدين.

والمستقبل الذي أتيحت لنا فرصة ولو محدودة في رسمه وتلوينه عندما نزل الشبان إلى الشوارع ورفعوا رايات الحرية والعدالة والكرامة قبل أن تحطم قوى عاتية داخلية وخارجية هذه المحاولة النبيلة، سيكون شديد السواد على العرب قبل غيرهم، ما لم ندرك ضآلة فرص الصمود في عالم يزداد ضيقاً بالأكفاء من أهله، فكيف بالمقصرين.