IMLebanon

قراءة إقتصادية وإستراتيجية في تصريح ليبرمان

 

أشعل اعلان وزير الدفاع الإسرائيلي أن الرقعة رقم 9 التابعة للمنطقة الإقتصادية الخالصة للبنان هي لإسرائيل، ردود فعل سياسية لبنانية شاجبة. وتُظهر التحاليل أن هذه التصاريح تخفي خلفها أبعادًا إقتصادية وإستراتيجية تتخطّى وضع اليد على ثروة لبنان الغازية.

لا يُخفى على أحد أن لإسرائيل مطامع في موارد لبنان بدأت مع مياه الوزاني وصولًا إلى قضمها 860 كيلومترا مربّعا من المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان مرورًا بإحتلالها لأراضٍ لبنانية، وهذا الأمر هو واقع وليس وجهة نظر.

أدّت المواجهة العسكرية للدولة اللبنانية مع الدولة العبرية في أيار العام 1948 في معركة المالكية إلى إستنتاج إسرائيلي وهو أن الجيش اللبناني جيش قوي وهو يُشكّل خطرا على وجود الدولة العبرية. وقد أدى الطابع المؤقت لإتفاقات الهدنة في العام 1949 الى خلق مفهوم جديد هو «حرب الحدود».

وقامت الدولة العبرية بإعتماد إستراتيجية الإنتقام ضد عودة الفلسطينيين مُعتمدة على العقيدة العسكرية للجيش الإسرائيلي أي عقيدة جابونسكي…. وتقوم هذه الاستراتيجية على ضربات تُوجه الى هيكلية الدول المجاورة للدولة العبرية بهدف إلزامها السيطرة على حدودها وبالتالي منع الفلسطنيين من التوجّه إلى إسرائيل أو مهاجمتها.

وأدّى هذا الواقع إلى إنقسام الدول العربية المُجاورة إلى قسمين: الأول تولّى السيطرة على حدوده وبالتالي تمّ تدعيم أمن إسرائيل كما يتضح من التجربة مع مصر، الأردن وسوريا.

والثاني مثال لبنان الذي رفض الأمر وبالتالي عوقب الجيش اللبناني من خلال منع تسليحه. وظهرت آثار سلبية لهذه الإستراتيجية على الدولة العبرية من ناحية نشأة المقاومة اللبنانية لمحاربة الجيش الإسرائيلي.

التفوّق العسكري الإسرائيلي على الصعيد التكنولوجي سمح للعدو بالقيام بإجتياحات للبنان جلبت أضرارًا وخسائر بشرية ومادية فادحة. إلا أنه وتحت تأثير المقاومة إضطرّت إسرائيل إلى الإنسحاب دون أن يُغيّر لبنان من موقفه تجاه العدو وإستمرّ في رفض التطبيع.

تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان عن أن الرقعة رقم 9 في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان هي لإسرائيل، هو كلام لا تقتنع به إسرائيل نفسها.

لكنه يخدم إستراتيجية إسرائيلية من عدّة مستويات:

أولًا – السيطرة على إستخراج الغاز على الحدود: يهدف العدو الإسرائيلي من خلاله إلى تأخير عملية التنقيب عن الغاز في الرقعة رقم 9 خوفًا من تثبيت حق لبنان في المنطقة المُتنازع عليها أي 860 كيلومترا مُربّعا من المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان والتي تحوي على 340 مليار متر مُكعّب من الغاز.

في الواقع، إن إكتشاف إسرائيل لحقل غاز كارديش الذي يحوي 50 مليار متر مُكعّب من الغاز الطبيعي (250 مليار متر مُكعّب لحقل تامار و540 لحقل لفياتان) يثير مخاوف إسرائيل من ناحية أن تكون الطبقة الجيولوجية بين الرقعة رقم 9 في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان وبئر كارديش في المنطقة الإقتصادية الخالصة الإسرائيلية مُشتركة بين المنطقتين وبالتالي فإن البدء بالتنقيب عن الغاز في الجهة اللبنانية قد يؤدّي إلى وصول الجانب اللبناني إلى هذه الآبار قبل وصول الإسرائيليين إليها وهذا ما لن تقبل به إسرائيل.

وبالتالي فإن الهدف الإسرائيلي هو عرقلة العملية حتى تتمكّن الدولة العبرية من البدء في إستخراج الغاز، وربما تعتمد الحفر الأفقي لسحب الغاز من المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان.

ثانيًا – ربح الوقت لجذب الإستثمارات: تُعاني إسرائيل من نقص في الإستثمارات للتنقيب عن الغاز في المنطقة الإقتصادية الخالصة، فالشركتان اللتان تحتكران التنقيب والإستخراج (Noble Energy و Delek) إستثمرتا حتى الساعة ما يوازي الثلاثة مليارات دولار أميركي. ولم تستطع هاتان الشركتان تلبية حاجة إسرائيل الكاملة للتنقيب عن الغاز على كامل المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة لإسرائيل.

من هنا وتحت غطاء محاربة الإحتكار، وقّعت إسرائيل عقدا مع شركة أسترالية للتنقيب عن الغاز في حقل تامار وتأمل في جذب شركات أخرى لنفس الهدف. وبالتالي، فإن خلقّ مُشكلة مع لبنان يُعطيها الوقت لتحقيق هدفها.

ثالثًا – مدّ أنبوب غاز مع تركيا: يُعتبر السوق التركي سوقا مهما للغاز الطبيعي مع إستهلاك يبلغ 48 مليار متر مكعبّ. وتتعلّق تركيا بشكل كبير بروسيا وإيران لسد حاجاتها من هذا الغاز، لذا تنظر تركيا إلى الغاز الإسرائيلي بتلهّف حيث تبحث تركيا وإسرائيل إمكانية مدّ أنبوب غاز من حقل لفياتان إلى تركيا مرورًا بالمنطقة الإقتصادية التابعة لقبرص بطول 420 كم.

وهذا المشروع الذي تبلغ كلفته حوالي 730 مليون دولار أميركي، يواجه شروطا قبرصية تتمثّل بحلّ الأزمة القبرصية. من هنا حاجة إسرائيل للوقت لكي يتمّ حلّ هذه المُشكلة وبالتالي الوصول إلى مدّ الأنبوب قبل بدء لبنان إستخراج الغاز من بحره مما يُعطيها قيمة تنافسية إستراتيجية عالية مقارنة مع الجانب اللبناني الذي سيجد صعوبة كبرى في تصدير الغاز عبر أنابيب في إتجاه أوروبا أو تركيا وبالتالي، سيعمد إلى تسييله بواسطة بواخر مما يعني زيادة الكلفة.

رابعًا – تطبيع العلاقات مع لبنان: تتّبع إسرائيل إستراتيجية «الحركشة» بلبنان لفتح قنوات تواصل في المرحلة الأولى معه عبر دول وسيطة مثل ألمانيا قبل أن تبدأ المرحلة الثانية بالتواصل المُباشر. هذا الأمر سيتمّ بالتوازي مع العقوبات الأميركية على حزب الله والتي تهدف إلى حشر الدولة اللبنانية من خلال الضغط عليها سياسيًا وبالتالي الإنتهاء من «ظاهرة حزب الله» التي عجزت ماكينتها العسكرية من القضاء عليها.

خامسًا – جعل تل أبيب محولا إقتصاديا إقليميا : إن السيطرة اليهودية العالمية على شركات التأمين تجعل من عملية التطبيع الإسرائيلية مع الدول العربية الحجر الأساس في جعل تل أبيب محوّل (Hub) إقتصادي إقليمي. إذ يكفي أن تزيد شركات التأمين أسعارها على الحاويات وطائرات الشحن والركاب المُتوجّهة إلى بيروت لكي تتراجع حركة الترانزيت الى بيروت لمصلحة تل أبيب. من هنا يبرز أكبر خطرّ على الإقتصاد اللبناني إذا ما تمّ الوقوع في فخ التطبيع مع العدو.

من هذا المُنطلق، نرى أنه يتوجّب على السلطة السياسية أن تتوحدّ تجاه التهديدات الإسرائيلية وأن تقدم طلبا رسميا إلى المجتمع الدوّلي للضغط على الدولة العبرية لوقف عمليات التهويل والتخويف التي تُمارسها على الكونسرتيوم الذي من المفترض أن يوقّع على العقد مع الدولة اللبنانية الأسبوع القادم.

في الختام لا يسعنا القول إلا أن أسلوب القرصنة المُعتمد من قبل الدولة العبرية تجاه اللبنانيين لن يؤمنّ لها العيش بسلام لأن الظلم يخلق الكره والعنف.