نادين سلام – مونتريال
فاقت نتائج انتخابات مقاطعة كيبيك بالامس كل التوقعات والإحصاءات التي سبقتها في فترة الحملات الانتخابية والنقاشات المتلفزة بين قادة الأحزاب الكبرى. لقد كان واضحا ان المزاج العام يميل الى التغيير عن الحزب الليبرالي الذي حكم لمدة الخمسة عشر عاما، وقد فقد رئيسه فيليب كويار الكثير من شعبيته بعدما اقتطع من ميزانية الطبابة الخاصة بالمسنين، على الرغم من توضيحه المستمر ان ما تم اقتطاعه لم يؤثر على جوهر الخدمات، كما انه عجز عن حل مشكلة التمريض المتفاقمة في المستشفيات فكانت مواجهة كسب فيها الجهاز التمريضي تأييد الرأي العام ودعم الأطباء المطلق، لدرجة طالب الأطباء اقتطاع جزء من مدخولهم لصالح جهاز التمريض…
ما عدا ذلك، يشهد الاقتصاد في كيبيك استقرارا يميل الى النمو، في حين تعاني المقاطعات الاخرى جمودا اقرب الى الأزمات، الا ان رياح التغيير كانت أقوى من اي إنجاز، فخفضت عدد مقاعد الحزب الليبرالي الى النصف، اقتلعت اليميني التقليدي Parti québécois، حيث فاز بتسعة نواب ولم يعد بامكانه ان يمثل حزباً بل أعضاء مستقلين وسقط رئيسه جان فرانسوا ليزيه في دائرته وأعلن انتهاء مسيرته السياسية.. اما المفاجئة الكبرى فكانت باكتساح الحركة اليمينية الوسطية الحديثة Coalition Avenir Québec المجلس باثنين وسبعين نائبا، متجاوزة الأكثرية بعشرة نواب، وحصول الحزب الديمقراطي الاشتراكي Québec Solidaire على عشرة مقاعد، مما تجاوز طموح هذا الحزب الايديولوجي الذي لم يسجل منذ تاسيسه عام٢٠٠٦ أية نتائج مهمة.
لقد سجلت معدلات المشاركة بالتصويت ما يقارب ال٦٦% وهي من أدنى النسب منذ تسعين عاما، حيث تمثل الأصوات الشابة ثلثها، الا ان المزاج العام كان واضحا لاختياره التغيير، مهما كانت الاثمان، خاصة ان رئيس الحزب الفائز ورئيس وزراء كيبيك المقبل فرانسوا لوغو، كان قد استعاض عن فكرة انفصال كيبيك عن كندا، والتي تشكل عَصّب اليمين المتطرف الذي يخاطبه، بالترويج لخطة تحكم التضييق على المهاجرين وتحد من تدفقهم الى كيبيك، «حفاظا على هويتها ولغتها الفرنسية» كما أعلن في اكثر من مناسبة، وصولا لإجراء امتحانات للغة الفرنسية «والقيم الكيبيكسية» بعد مرور ثلاثة أعوام على وصول المهاجرين وترحيلهم في حال فشلوا في هذين الامتحانين… لقد فاز فانسوا لوغو على الرغم من برنامجه القائم على التشدد والذي يخشاه حتى المحافظون ويمقته الوافدون…
انها النسخة الكندية لانتخابات الولايات المتحدة، ولوغو هو «ترامب كيبيك» كما اطلق عليه منافسوه، حيث لعب التوق للتغيير دور الدافع الأساسي للانقلاب على الليبراليين، فتجاوز الناخبون عن انجازاتهم وركزوا على هفواتهم في قطاع الخدمات، والتي كانت كفيلة بإنهاء خمسة عشر عاما من الحكم، وتقديم الأكثرية لحزب اليمين الوسطي والمتشدد في سياساته، والذي لم يقدم الكثير في نطاق الطبابة والتعليم، وهي الهواجس الكبرى للناخبين، والذين يحصلون أصلا عليها مجانا ولكن يسعون دائماً لتحسينها وتعزيزها…
انها بانوراما سريعة لانتخابات كانت مفصلية ووجودية لبعض الأحزاب، الا ان التنافس كان في ذروته عبر البرامج والخطط التي تحسن الخدمات، اما المواجهات المتلفزة لرؤساء الأحزاب، اضافة الى التزامها بالآداب العامة للحوار، فقد تعرضت للكثير من النقد الجماهيري كون المتحاورين تكلموا في آن واحد فشوّشوا على المتفرج، والبعض لم يحترم الوقت المخصص له… دون ان تسجل أية خروقات للاخلاق العامة، ولا أمنية بطبيعة الحال!
بغض النظر عن صوابية هذا الخيار، او خطورته على مستقبل كيبيك واستقرارها، الا ان الدرس الديمقراطي كان واضحاً ودسماً، الناخب قادر على قصاص المقصر وقادر على التعبير عن امتعاضه وعلى تلقين الدرس القاسي، صوته يسقط اكثر الأحزاب عراقة ويوصل من يرى انه يخدمه بشكل أفضل، حيث الرئيس والنائب وكل أركان الدولة هم بخدمة شعبهم ويسعون لإرضائه وليس العكس كما عهدنا في مجتمعاتنا المتخلفة، حيث الشعب في خدمة المسؤول وحطب لنيران أجنداته ومصالحه الخاصة…
تبقى الأيام لتظهر ما اذا كان الدافع الأساسي هو التغيير للتغيير فقط ام انه تعبير جديد عن رياح التطرّف التي تهب في اكثر من بلد في القارة الأميركية!