«النفس من خيرها في خير عافية والنفس من شرها في مرتع وخم« أحمد شوقي
كثرت الأحاديث في الأيام الماضية ومعها التحليلات والتأويلات حول «لماذا أو كيف قُتل رستم غزالة؟« وما زاد في الدراماتيكية في القضية، هو تصريح الرئيس سعد الحريري الذي أشار الى اتصال ما قام به غزالي، ليقول شيئاً ما من خلال شاشة «تلفزيون المستقبل«، الشاشة نفسها التي قامت جماعته بإطلاق صواريخ عليها منذ سنة لإسكاتها. وظهرت فجأة أيضاً إشاعات عن أن مذكرات الرجل المقتول أصبحت في أيدٍ آمنة خارج معسكر الاعتقال الجماعي في سوريا.
بصراحة، كل ذلك لم يعد مهماً، ولا أظن أن ضميراً ميتاً في الأساس صحا اليوم ليعبّر عن الندم أو يطلب الصفح، أو أنه أراد أن يبوح بأسرار لن تغيّر في وقائع الأمور شيئاً، فمن السهل إيجاد المبررات للقفز من سفينة تغرق في بحر من الدماء شارك غزالي في إنشائه، لكن التوبة غير مجدية اليوم، ولا حتى منذ سنوات، ولا حتى قبل خروج غزالي ذليلاً من لبنان في نيسان ، فهو لم يكن مجرد ضابط مأمور يتبع توجيهات قائده، بل كان كما بات واضحاً يستمتع بما يقوم به، وقد جنى من موقعه فوائد لا حصر لها من ثروة وملبس وسيارات فاخرة.
المهم هو أنني لا أعرف اليوم ما كان رستم غزالي سيقوله لو أعطي الفرصة قبل أن يعدمه زميل وشريك له، ولا يمكنني أن أقول إنه لو قال كان سينطق بالحقيقة، لكن المؤكد هو أن زمن التوبة قد فات منذ اليوم الأول الذي تجنّد به هذا الرجل للقيام بالأعمال القذرة لنظام لم نر منه إلا القذارة مهما حاولنا تجميله في الماضي ببراقع العروبة والوحدة والصمود والتصدي.
الإشاعة تقول إن غزالي أوعز لبعض أصدقائه بأنه يقسم بعدم علمه، على الأقل مسبقاً، بأن رفيق الحريري سيتم اغتياله! وقد يكون على حق، فالمنطق يقول أن لا أحد يقطع رزقه بيده، لكن هل كان بإمكانه أن يعصى أوامر عليا لو صدرت، وهو يعلم اليوم بعد مقتله علم اليقين ثمن العصيان؟.
لنفرض جدلاً أنه لم يكن على علم مسبق، ولكن لماذا ساهم مع جماعته في طمس معالم الجريمة؟ ولماذا رقّي بعد عودته مهزوماً إلى سوريا؟ ولماذا لم يصح ضميره خلال عشر سنوات تلت اغتيال رفيق الحريري؟.
المؤكد هو أن عملية اغتيال بحجم جريمة شباط يؤخذ القرار بها من اعلى سلطة سياسية، ويتحمل تبعاتها فريق بأكمله على المستوى السياسي، يعني أن منظومة الممانعة بأكملها مسؤولة عن الجريمة، أما من نفّذ فهم قلّة من الأخصائيين، وليس من المنطق في عمليات سرية كهذه أن يعلم الجميع بها.
لكن الواضح هو أن منظومة الممانعة السياسية والأمنية والإعلامية وحتى الشعبية استنتجت مباشرة أن قيادتها اتخذت قرار الاغتيال لأسباب «منطقية». لذلك فقد كان رد فعل المنظومة بكامل أدواتها بأن تغطي وتحمي الفاعل بشكل تلقائي، ودون حتى توجيهات قيادتها. رستم غزالي كان واحداً من هؤلاء الذين ساهموا بتغطية معالم الجريمة.
لا شيء اليوم يغيّر المعطيات للمحكمة الدولية، فهناك متّهمون خمسة كانوا في ساحة الجريمة تتم محاكمتهم بناءً لمعطيات جرمية مادية، أما كل ما تبقّى من إفادات فهي لبناء استنتاج منطقي حول سلسلة الأوامر التي أدت إلى الإغتيال. عدا عن كل ذلك فرستم غزالي مجرد عضو في مافيا إجرامية انتهى دوره فصفاه زميل له في الإجرام، فلا التوبة كانت ستعفيه من صفة السفّاح، ولا طريقة موته سترفعه إلى مرتبة الشهداء.
() عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»