IMLebanon

مستجدّات مُحرِجَة!

 

موقف عاقل وذكيّ ذلك الذي أعلنته الفصائل المقاتلة في الغوطة الشرقية لجهة التزامها إخراج مسلّحي «النصرة» العاملين تحت شعار «جبهة تحرير الشام» في غضون أسبوعَين.. وبالتأكيد، في ظل شرط أساسي كبير هو التزام الطرف الآخر الهدنة المعلنة من جانب موسكو غداة قرار مجلس الأمن الأخير الداعي إلى وقف النار لمدة شهر والسماح بإدخال المساعدات الغذائية إلى المحاصَرين.. إلخ.

والواضح، منطقيّاً، أنّ ذلك الموقف المستجد جاء نتيجة تنسيق مع جماعة «النصرة» ولم يكن أحاديّاً، لأنّه في هذه الحالة لا يعني شيئاً آخر غير الاقتتال الداخلي المستحيل.. أي أنّ القوى المقاتلة في الغوطة المنكوبة أرادت سحب الذريعة التي اعتمدها ويعتمدها الروس أولاً وأساساً لتبرير المذبحة، وعدم الالتزام بالقرار الدولي بوقف النار.. وهي ذريعة «محاربة الإرهاب» طالما أنّ تلك «النصرة» مصنّفة في خانة الجماعات الإرهابية!

أي بوضوح أكبر: إذا كانت موسكو تغطي المذبحة الجارية في حق 400 ألف إنسان، بشعار مقاتلة بضع مئات من «الإرهابيين»، فإن هؤلاء المنكوبين يطرحون الآن مقايضة فضّاحة: يخرج هؤلاء «المستهدَفون الإرهابيون» في مقابل وقف استهداف الغوطة الشرقية العصيّة على بقايا السلطة الأسدية وحُماتها الإيرانيين! فهل تقبل القيادة الروسية ذلك وتفرضه على حلفائها في «المحور»؟! أم إنّها ستعود إلى «هوايتها» الأولى حيث كل معارض للطغمة الأسدية، هو في رأيها، إرهابي من حيث المبدأ! وبغضّ النظر عمّا إذا كان ارتكب عملاً إرهابيّاً أم لا! أو إذا كان مؤهلاً عُمريّاً لذلك الأداء المرذول أم لا! خصوصاً، (وخصوصاً جدّاً) أنّ الغارات «التدريبية» للطيران الروسي لا تميّز بين موقع عسكري وحي سكني! ولا بين مجموعة مقاتلة ومجموعة عوائل من النساء والأطفال! ولا بين دشمة مسلّحة ومستشفى ميداني! ولا بين صفّ من المقاتلين وصفّ من الأطفال المنتظرِين دورهم للحصول على ربطة خبز! ولا بين آليّة عسكرية وسيارة إسعاف! ولا بين كليّة حربية ومدرسة تعليميّة!

ثمَّ، هل المطلوب مواصلة «الحرب على الإرهاب» أم مواصلة «تطهير» دمشق ومحيطها من البيئة الأكثرية؟ وبعدها مواصلة الزحف على الطريق نحو وَهْم «الحسم العسكري»؟

.. لا تسرّ الخاطر، في واقع الحال، إحتمالات الأجوبة! إلاّ إذا شعر الروس ببعض الخجل! وتحرّك عصب ضميري لديهم على ما راهنت نيكي هيلي مندوبة أميركا في الأمم المتحدة.. أو إذا ارتأوا (مرحلياً!) تظهير اختلاف أجندتهم الخاصة عن أجندة الإيرانيين والأسديين، وتجاوبوا (مرحلياً أيضاً) مع مساعي الألمان والفرنسيين.

لكن المشكلة، هي أنّ شهيّة الروس مفتوحة على مواصلة تجريب أسلحتهم في المختبر السوري! وهم فوق ذلك، لا يفضّلون سوى استهداف مناطق المعارضة عشوائياً وبالجملة لـِ«الردّ» على أي شيء «يزعجهم» ميدانياً وسياسياً وإعلامياً وأخلاقياً!

والمشكلة المضاعفة هي أنّ العرض الذي تقدّمت به الفصائل المقاتلة في الغوطة بالأمس، هو من ذلك النوع المزعج لهم، لأنّه يصيبهم بالإحراج، ويدلّ على ذكاء الضحايا! والأمران دلالة على ضعف لا يطيقه القيصر الإحيائي في الكرملين الباحث بين أشلاء أطفال سوريا، عن دلالات «القوة العظمى»، وضرورات إنهاء «الأحادية» الأميركية!