Site icon IMLebanon

كارثة بيئية تهدد إيران بحرب أهلية

 

عام 2010 عرض السفير الإيراني لدى لبنان تزويد اللبنانيين بالكهرباء والماء «فتحل المشكلة»، ويعود الفضل إلى قسم كبير من اللبنانيين في رفض هذا العرض، وإلا لكان المتظاهرون في أغلب المناطق الإيرانية هذه الأيام، هتفوا «الموت للبنان». فالاحتجاجات التي انطلقت في مدينة خورمشهر في جنوب إيران وأدت إلى موت بعض أبناء المدينة وجرح العشرات، لم تكن بسبب تدهور سعر الريال، أو ندرة فرص العمل، بل بسبب جانب أساسي يتعلق بحياة كل إنسان: مياه الشرب النظيفة. مظاهرات أخرى انطلقت في مدينة عبادان المجاورة.

إن الدراما الدبلوماسية المستمرة التي تحيط بمصير الاتفاق النووي الإيراني حجبت كارثة بيئية أقل ظهوراً، إنما بنفس القدر من التأثير السيئ، وسببها سوء التخطيط وسوء إدارة الحكومة وتغير أحوال الطقس.

لم تكن المظاهرات أول دليل نشهده عن شح مائي في إيران وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، وفي المرحلة الراهنة حيث تعاني إيران من ضعف اقتصادي فإن ندرة المياه قد تؤدي إلى موجة أوسع من عدم الاستقرار تشبه إلى حد بعيد ما حدث في سوريا، حيث تصاعدت احتجاجات ريفية صغيرة من مزارعين اضطروا إلى ترك أراضيهم، وتحولت في نهاية المطاف إلى حرب أهلية، لم تنتهِ حتى الآن. وكان أول من لفت إلى كارثة الجفاف في سوريا ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز.

«الموت لفلسطين» هتف الإيرانيون في مظاهرات ضخمة ضد النظام، كما دعوا بالموت للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والرئيس حسن روحاني. رغم معاناة المتظاهرين فلم يسبق التعبير عنها كما يحصل أخيراً. واجهوا نظاماً يلاحق حتى الفتيات الصغيرات ويسجنهن، وتحدوا التعذيب والإعدامات من أجل معيشتهم وحريتهم وكرامتهم ومستقبل أولادهم.

تم خداع الإيرانيين لمدة أربعين عاماً، وشارك الغرب في لعبة الخداع لمصالحه بحيث اعتبر التهديد الذي تشكله الأفكار الإسلامية المتشددة والإرهاب أكثر جدية من حرية عشرات الملايين من الناس. ومن أبرز ما أعطاه الغرب كان ذلك الاتفاق النووي مع إيران الذي ترجمته إيران بدعم الأسد لاضطهاد وقتل شعبه وتدمير سوريا، ودعم الحوثيين لتخريب اليمن، ودفع 1.7 مليار دولار نقداً لتمويل «حزب الله» في لبنان والميليشيات الشيعية الأخرى في العراق، وترك أكثر من 50 مليون إيراني يعيشون في فقر مدقع.

إن توفر المياه سواء للاستخدام المنزلي أو للصناعة أو للزراعة يمثل مشكلة متزايدة في إيران، وهي مشكلة لا تقتصر على المنطقة الجنوبية الغربية حيث اندلعت المظاهرات. ففي وقت سابق من هذا العام، استمرت الاحتجاجات لمدة خمسة أيام متتالية في أصفهان ثالث أكبر مدينة في إيران وتقع على بعد آلاف الكيلومترات من خورمشهر، كما خرج المزارعون إلى الشوارع في بلدة فارزانة الصغيرة في شهر فبراير (شباط) الماضي وحدثت احتجاجات تضامنية في المناطق الريفية في جميع أنحاء مقاطعتي أصفهان وخوزستان.

هناك خيط رفيع يربط بين كل هذه الحالات، فالمزارعون والمواطنون يحتجون على ندرة المياه الصالحة للاستعمال، أو تلوث المياه المحلية العذبة. ويلوم المزارعون وفي بعض الأحيان بشكل مباشر السلطات الحاكمة والحرس الثوري على سوء الإدارة، وسوء تخصيص الموارد الشحيحة بعيداً عن صغار المزارعين، باتجاه مصالحهم الخاصة.

نجح الحرس الثوري في أن يكون كياناً تجارياً في اقتصاد الجمهورية التي تعتقد بـ«النصر الإلهي» والخاضعة للعقوبات. وفي الواقع فإن «اقتصاد المقاومة» الذي يدعمه الحرس الثوري هو الجانب الآخر لعملية التحرير وبالذات تحرير «المستضعفين في كل أنحاء المعمورة». لدى الحرس الثوري الكثير ليخسره إذا تم تجريده من قوته الاحتكارية التي تفرض نفسها وترفض أي منافسة.

مثلاً، يوظف «خاتم الأنبياء للإنشاءات»، الجناح الإنشائي للحرس الثوري، أكثر من 40 ألف شخص، وبعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الصفقة النووية، رفع «خاتم الأنبياء للإنشاءات» من سقفه وأعلن عن العشرات من المشاريع العملاقة الجديدة «للحفاظ على الاقتصاد» على الرغم من تزايد عدم اليقين بالاقتصاد الإيراني، ولم يكن مستغرباً أن الكثير من هذه المشاريع ليست سوى سدود وبنى تحتية لتوزيع المياه.

تدرك المؤسسة الإيرانية الحاكمة إمكانية حدوث نزاع مائي كما تدرك ضعفها السياسي، لكن السؤال المطروح هو حول ما إذا كان ممكناً حل هذه القضايا المعقدة من خلال نظام يوفر القليل من الإشراف غير المنصف والفرص الكثيرة لرأسمالية المحسوبية. ومن خلال السجل الضعيف لإيران الملالي في بناء السدود منذ عام 1979 وحتى الآن، ليس هناك ما يدعو إلى التفاؤل.

لا يلوح في الأفق أي حل لمسألة نقص المياه في إيران. معظم أراضيها قاحلة وغالباً ما تتضور جوعاً من انحباس الأمطار. لقد كانت البلاد تعاني من نقص المياه قبل تجذر سوء الإدارة، وانتشار الفساد، وتغير المناخ في الآونة الأخيرة. ويروي لي مطلع على أن تاريخ الإمبراطورية الفارسية ومن عدة جوانب ابتكر أنظمة للري وتوزيع المياه، وليس غريباً على الشعب الإيراني الاستفادة القصوى من الموارد المائية المحدودة، لكن سجل الجمهورية، يختلف عن سجل الإمبراطورية، فقد كان سيئاً في الحفاظ على المياه. والمزارعون الذين كانوا يعتبرون شريان حياة الثورة، لم يتعلموا استخدام المياه بطريقة مستدامة، وخطة نشر السدود في البلاد، بمعدل بناء عشرين سداً كل عام قبل روحاني، تركت الأراضي الطبيعية قاحلة مع خزانات فارغة.

لقد تم استنزاف مستودعات المياه الجوفية في إيران، ومن المتوقع أن تعاني جميع المدن في البلاد من ندرة المياه في السنوات المقبلة، ويزيد الجفاف الذي دام عقداً من الزمن من تفاقم المشكلة، وهو اشتد أكثر منذ أواخر عام 1917 إلى درجة أنه يؤثر على ما يقرب من 40 في المائة من البلاد. وينقل محدثي عن أحد المسؤولين في إحدى وكالات مراقبة الحكومة، أن الفترة ما بين سبتمبر (أيلول) وديسمبر (كانون الأول) من عام 2017 كانت الأكثر جفافاً على مدار 67 عاماً، حيث وصلت مستويات هطول الأمطار إلى أقل من نصف المعدل على المدى الطويل. ويضيف: «هذه وصفة لكارثة بيئية تفسح المجال لتيار اجتماعي سياسي».

من ناحية أخرى، أظهرت الاضطرابات التي انتشرت في المناطق التي يسيطر عليها حلفاء إيران في العراق، أن طهران غير قادرة على الوفاء بوعودها الاقتصادية الخارجية، كما لا يمكنها تلبية التوقعات المحلية. إن استخدام إيران لوسائل القوة الناعمة، مثل الكهرباء في العراق يمثل جزءاً كبيراً من جهدها لبسط نفوذها، وهذا يظهر كيفية تأثير سوء الإدارة الداخلية على الخطط الخارجية.

إن ضغوط أزمة المياه في إيران ستتكثف وهذا أمر مؤكد. والسؤال يبقى ما إذا كان النظام السياسي الحالي قادراً على التكيف مع هذه الضغوط أم لا، وهل أنه في النهاية سيتجاوزها ويتجاوز ضغوطاً أخرى و… يبقى؟