وحدها قراءة لبنانية قاصرة وتدّعي العكس، يمكنها أن تُسقط ما تفعله «إيران الاولى» في مفاوضاتها النووية مع الاميركيين والخمسة + واحد، وما تفعله «إيران الثانية» في اليمن والعراق وسوريا وغيرها، على الشأن الرئاسي اللبناني، وتستنتج منه عوامل قوّة لمرشحها النائب ميشال عون، ثم تقول بعد ذلك باطمئنان البُلهاء، انه توافقي بالتمام والكمال.
والمفارقة، ان ذلك التوافقي لا يعرف قياس خطواته سوى بالاستناد الى مدوّنة اوهامه، وهذه تنتج حقائق معاكسة في محصّلتها، لما يريده ويتمناه: لا ينتبه مثلاً الى أنه أعجز من ضبط تنظيمه السياسي الشخصي الخاص وفق آلية سليمة، ثم يدّعي قدرة على ضبط شؤون لبنان العويصة بنهجه «الاصلاحي». ولا ينتبه الى انه يذهب الى قادة الطوائف اللبنانية الاخرى لتسويق تسوية على التمديد للقادة الامنيين والعسكريين فيما يضع ألف شرط وشرط على لقائه قادة في طائفته، ولا ينتبه الى انه يملأ الدنيا زعيقاً وصراخاً وادعاء عن الرئيس «القوي» وصلاحياته ومسؤولياته، ثم يكون اول من يدعو الى تجاهل حيثيته تماماً، من خلال عدم احتسابه في قصة تعيين قائد جديد للجيش!
الآخرون يقولون له، انه لا يجوز ذلك التعيين في ظل الفراغ الرئاسي وهو يقول ان ذلك يجوز ومجلس الوزراء مخوّل.. الخ! والآخرون يقولون له ان رئيس لبنان المسيحي هو ظاهرة استثنائية في منطقة تمتد من الهند الى ضفاف البحر المتوسط وان ذلك ما يميّز التجربة اللبنانية ويقربّها من فرادة خلابة وخصوصاً، في هذه الفترة حيث الوجود المسيحي في المشرق العربي يتعرض لمخاطر موازية لتلك التي تطال الوجود الاسلامي العربي، وحيث حديث الفرز والضم والإلغاء والإمحاء يتقدم على حديث الجمع والحوار والقبول بالآخر.. وهو يناقض ذلك كله من خلال أدائه التعطيلي وقبوله بأن يكون واجهة لإرادات وحسابات وسياسات وممارسات اكبر منه ومن لبنان، وعلى النقيض من المصلحة الوطنية التامة والعامة، والمصلحة المسيحية من ضمن ذلك!
والحاصل هو ان وهمه المرَضي «أصيل» وسابق على جملة الأوهام المتجذرة في العقل الايراني الممانع وملحقاته العربية، والتي تأخذ الأقوام والشعوب والكيانات الملتمّة في هذا الحيّز الجغرافي من العالم القديم، الى مستويات انقسامية حادة ما يجعل من المستحيل على أي عصبة عقلية افتراض وجود «شيء» إيراني يجمع ولا يقسّم ويوّحد ولا يفتت ويبني ولا يدمّر!
الأوهام والتخرّصات هي وليدة امتهان العقل وملكاته.. لكن المفارقة هي ان تلك الأوهام في ذاتها تنتج راهناً واحدة من أسوأ حقائق هذا الزمان، وتعيد بَشَر هذه المنطقة القهقرى الى مراحل سابقة على الحداثة ومفاعيلها، وجلّ طموح صاحبنا المسترئس المحلي، ان لا يترك تلك «الفرصة» تعبر من دون تلقفها وأخذ لبنان واللبنانيين معها!
.. الموهوم الذي لا ينتبه الى ان مظلة الأمان الدولية الاقليمية المرفوعة فوق لبنان لم يشلّعها شيء، بما فيه الحريق النكبوي السوري. وان شرط ديمومتها هو التوافق بكل مراتبه، وإلا طارت تلك الخيمة وصار لبنان مثل اليمن ووصل هو الى مرتبة الحوثي. لا أكثر ولا أقل! واضح يا فالح؟!