أمّا وقد سقطت كلّ مشاريع القوانين الانتخابية، الواحد منها تلوَ الآخر، وفي ظلّ انعدام التوافق على قانون جديد واقتراب 15 أيار موعد انتهاء مدة الشهر التي أوقفَ فيها رئيس الجمهورية جلسات مجلس النواب بموجب المادة 59 من الدستور، وموعد جلسة تشريع التمديد المؤجّلة بفِعل القرار الرئاسي، فإنّ الاستحقاق النيابي آيلٌ إلى أحد خيارَين: التمديد أو انتخابات على أساس قانون الستّين النافذ.
بعد سقوط كلّ المشاريع الانتخابية، وآخرُها المشروع التأهيلي، وكذلك سقوط المهَل التي كان يمكن اعتمادها لإجراء الانتخابات النيابية على أساس قانون الستين النافذ، أضحت البلاد في الهزيع الأخير من ولاية المجلس النيابي الممدّدة أمام خيارَي التمديد مجدّداً للمجلس أو إجراء الانتخابات على أساس قانون الستّين وفق مهلٍ جديدة، وذلك في حال عدمِ الاتفاق على قانون انتخاب جديد من الآن حتى 15 أيار المقبل.
فالمشروع التأهيلي كان «التسوية» التي قيل إنّه تمَّ الاتفاق عليها لتلافي التمديد النيابي والحراك الذي كان سيحصل في الشارع ضدّه مع ما يمكن أن يثيرَه من مضاعفات خطيرة على الاستقرار العام. وبعد سقوط هذا المشروع نتيجة انعدامِ التوافق عليه تبيَّن أنّه كان آخرَ ما في «جُعَب» المعنيين، ما أعاد تعويمَ التمديد وقانون الستّين المرذولين لدى غالبية الأفرقاء السياسيين، وإن كان بينهم من كان ولا يزال يرغب ضمناً بحصولهما تمديداً أو انتخاباً.
ولذا فإنّ البلاد ماضية إلى أحد هذين الخيارين، يقول قطبٌ نيابيّ بارز، لتعذّرِ الاتفاق على قانون جديد بعد سقوط كلّ الصيَغ التي طرِحت من هنا وهناك. ويرى هذا القطب أنّ الكرة باتت في ملعب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحده دون سواه، إذ عليه أن يبادر إلى طرح صيغة لقانون انتخاب أو إطلاق مبادرةٍ ما يلتقي عليها الجميع انطلاقاً ممّا أعلنَه في خطاب القسَم من جهة، وانطلاقاً من موقعه الحَكَم بين الجميع، لأنه في مكانٍ ما يتحمّل جزءاً من المسؤولية عمّا آلَ إليه مصير الاستحقاق النيابي حتى الآن.
فهو مَن أسقَط المهل بعدم توقيعِه مرسومَ دعوةِ الهيئات الناخبة إلى انتخاب مجلس نيابي جديد على أساس القانون النافذ (أي الستين) الذي رفعَه إليه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق حاملاً توقيعَه إلى جانب توقيع رئيس الحكومة سعد الحريري، ما حالَ دون إجراء الانتخابات ضمن فترة التسعين يوماً التي تسبق انتهاء ولاية مجلس النواب في 20 حزيران المقبل، وهي فترة يبقى منها ابتداءً من اليوم 61 يوماً بالتمام والكمال.
وكذلك فإنّ ارتكان رئيس الجمهورية، حسب القطب نفسه، إلى فتاوى دستورية أبداها البعض وتقول بإمكان الحكومة إجراءَ الانتخابات خلال ثلاثة أشهر من تاريخ انتهاء ولاية المجلس، لا أساس دستورياً لها، لأنّ هذا الإجراء منصوصٌ عنه في المادة 65 من الدستور والآتي نصُّها:
«يعود لرئيس الجمهورية، في الحالات المنصوص عنها في المادتين 65 و77 من هذا الدستور، الطلب إلى مجلس الوزراء حلّ مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة.
فإذا قرّر مجلس الوزراء، بناءً على ذلك، حلّ المجلس، يصدر رئيس الجمهورية مرسوم الحلّ، وفي هذه الحال تجتمع الهيئات الانتخابية وفقاً لأحكام المادة الخامسة والعشرين من الدستور ويدعى المجلس الجديد للاجتماع في خلال الأيام الخمسة عشر التي تلي إعلان الانتخاب.
تستمر هيئة مكتب المجلس في تصريف الأعمال حتى انتخاب مجلس جديد.
وفي حال عدم إجراء الانتخابات ضمن المهلة المنصوص عنها في المادة الخامسة والعشرين من الدستور يعتبر مرسوم الحل باطلاً وكأنه لم يكن ويستمر مجلس النواب في ممارسة سلطاته وفقاً لأحكام الدستور».
وتنص المادة 25 من الدستور على الآتي: «إذا حُلَّ مجلس النواب وجب أن يشتمل قرار الحل على دعوة لإجراء انتخابات جديدة، وهذه الانتخابات تجري وفقاً للمادة 24 وتنتهي في مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر».
ويرى هذا القطب أنّ واقع الحال لا ينطبق على ما نصّت عليه هاتان المادتان الدستوريتان، علماً أنّ مِن الصعب أن يتمّ حلّ مجلس النواب بقرار يتّخذه مجلس الوزراء، لأن ليس هناك أكثرية ثلثين وزارية تؤيّد هذا الحل في حال طلبه رئيس الجمهورية. ولكن ليس هناك أيّ مؤشّرات حتى الآن على خطوة من هذا النوع يمكن رئيس الجمهورية أن يتّخذها في هذا الاتجاه.
على أنه لا يوجد خارج هذا الإجراء أيّ نصّ دستوري عمّا يمكن اتّخاذه من إجراءات في حال انتهاء ولاية مجلس النواب وعدم انتخاب مجلس جديد ضمن المهلِ القانونية والدستورية التي تسبق انتهاء الولاية النيابية.
ولذلك، يقول القطب النيابي نفسه، إذا لم يبادر رئيس الجمهورية إلى اتّخاذ خطوة جريئة تُخرج الاستحقاقَ النيابي من عنق الزجاجة، لن يكون أمام مجلسِ نوابٍ هو «سيّدُ نفسه» إلّا التمديدُ لنفسه قبَيل انتهاء ولايته، وذلك لمدة محدّدة تجري خلالها الانتخابات في موعد محدّد على أساس قانون الستين النافذ في حال ظلّ الاتفاق متعذّراً على قانون انتخاب جديد.
وفي اعتقاد هذا القطب أنّ ما يَحول دون الاتفاق على قانون الانتخاب هو أنّ بعض المحيطين برئيس الجمهورية وآخرين في أماكن أخرى يستعجلون مصالحَ لهم في غير أوانها، ويتصرّفون وكأنّ العهد الرئاسي موَقّت، ما يَدفعهم إلى حرقِ مراحل واستعجال الخطى لتحقيق هذه المصالح، الأمر الذي يعرّض مسيرةَ العهد لكثيرٍ مِن المشكلات والعثرات، سواءٌ على مستوى تحالفاته، أو على مستوى تحقيق ما وَعد ويَعد به من إصلاح وتغيير في مختلف المجالات.
ويشير هذا القطب إلى أنّ على المحيطين برئيس الجمهورية أن يدركوا أنّ التفاهم الذي حصَل بينه وبين حلفائه هو الذي عبَّد الطريق أمامه إلى رئاسة الجمهورية، وأنّ هؤلاء الحلفاء واثقون من التزاماته وإياهم على مستوى القضايا الاستراتيجية ولا خلاف سيحصل بينهم وبينه في هذا الصَدد، ولكنّهم في التفاصيل المتعلقة بالقضايا الداخلية ينتظرون منه أن يتّخذ خطوات وطنية بمعزلٍ عن المحيطين به الذين تبيَّن أنّ لبعضهم مواقفَ ومصالح خاصة مرحلية ومستقبلية تسيء إلى العهد، خصوصاً أنّ بعضها يتّصل بالاستحقاق الرئاسي المقبل، والبعض الآخر باللعبة السياسية الداخلية ومستقبلها المنظور والبعيد، سواءٌ على مستوى المجلس النيابي أو على المستوى الحكومي، حيث إنّهم طرحوا حتى الآن صيَغاً لقوانين انتخابية يتبيّن أنّها تخدم مصالحهم بالدرجة الأولى.
ويعترف القطب نفسُه بأنّ مشكلة حلفاء عون ليست معه وإنّما مع المحيطين به من القريبين والبعيدين، والذين يحاولون التأثيرَ على خياراته التي يفرضها عليه موقعُه الحَكَم على رأس هرمِ السلطة، لكي تأتي هذه الخيارات خدمةً لمصالحهم قبل أيّ شيء آخر، وهذه المصالح هي ما أعاقَ ولا يزال يعوق إنجاز الاستحقاق النيابي قانوناً وانتخاباً.
ولذلك، يكرّر القطب النيابي التأكيد أنّ أوّل غيثِ الاتفاق على قانون الانتخاب يبدأ بقطرة، وهذه القطرة هي مبادرة باتت مطلوبة من رئيس الجمهورية.