IMLebanon

دعوة إلى اغتيالٍ في لبنان

من أين جاء هؤلاء الشبان ليباغتونا بغضبهم؟ يحاسبونا؟ أي مزحة سمجة، وهل صدّقوا أنهم ينتزعون الشارع؟ الشارع حصة الأحزاب والتيارات والقوى المنظّمة التي تتقاسم الأدوار والنفوذ والمصالح، وإنما بـ «نظافة»، قد يفيد بيرلوسكوني أن يتعلم منها ليطهّر نفسه من خطايا المافيا.

لم يعد السؤال مَن الفاسد في لبنان الذي يتاجر بالماء والكهرباء والنفايات، ويقدّم الحماية السياسية والأمنية للإتجار بالدواء الفاسد، ومن يشوّه صورة لبنان فيما يستمرئ لعبة التكاذب بين «الفاعلين» في السياسة، المعطّلين حياة جيل شاب، ظنّ أن تطهير دماغه من لوثة عروش الطائفية، وأن تحصيله الشهادة الجامعية كفيلان بمنع كأس الهجرة والفقر عن طموحاته وأحلامه.

رغم كل ما حصل خلال الأسبوعين الماضيين، من بعض التجاوزات ومظاهر فوضى، خصوصاً من الطوابير الخامسة، من حق شبان لبنان وشاباته أن يدّعوا انتصاراً على عفن طبقة كاملة، حوّلت السياسة مهنة تدرّ ذهباً لمن يمارسها وكوارث على جميع اللبنانيين، من أقصى عكار إلى أبعد نقطة في الجنوب، من بيروت إلى خط التماس مع «التكفيريين».

ما قاله الساسة للناشطين في تحرُّك قلب بيروت، لا يعني عملياً إلا رسالة واحدة: لعبة الشارع نحن نقررها، كما تقنين الكهرباء وإذلال الناس بالعطش، والتعطُّش لفرص عمل لا يتيحها هروب أصحاب المشاريع ورؤوس الأموال من جحيم بلد توقّفت فيه الحياة، إلى أن يتقرر مصير سورية… ومصير الحرب فيها، وكعكة الحصص في نظام آخر هجين، لا أحد يمكنه التكهُّن بموعد ولادته.

القضية إذاً، أكبر بكثير من أزمة نفايات وعيش مئات الآلاف من اللبنانيين في الظلام، ويأس عشرات الآلاف من الجامعيين من التعايش مع طبقة لا تجيد سوى الكذب والمراوغة، والتلاعُب بخيوط «الفتنة»، لتبدو هي المُنقذ الوحيد، كما كانت منذ عقود… الفتنة أداة «البزنس» النفخ بنارها موسمي، كلما أحس «الكبار» بملل «الصغار» أو تلمسهم هوية اللص الملثّم.

ما على اللبنانيين سوى التسليم بكفاءة توصيف رئيس مجلس النواب نبيه بري المصيبة الأم التي تسجن أحلامهم في نفق «الفتنة»… إنها الطائفية، وما دامت هي اللعنة التي يراها «أقوى من إرادة المجلس»، لماذا لا ينتفض الشباب عليها؟ لماذا لا يغتالونها، ولو في غفلة من الساسة المنهمكين بمصير الحرب السورية، و «النصرة» وتطاولها على «داعش»، ومسار الحرب في اليمن، وطموحات كيم جونغ أون، وانتفاخ ريش إيران، وقدرة بوتين على لجم جموح كييف، وتلقينه الغرب درساً ليتعلم عدم الاستعلاء على الروس في حدائقهم العامرة، نفطاً وغازاً وبراميل متفجرات.

هكذا، هل يدرك شباب لبنان هموم ساسته؟ هم لا يضحّون فقط من أجل اللبنانيين، بل لسلام الأرض ومَن عليها. أليس عيباً أن يعكّر الشباب صفاء الذهن لدى «حكماء» البلد الذين لم يفعلوا شيئاً إلا لخدمة مصالحه، باستثناء اختصار المسافات إلى دروب العوز واليأس، وتخيير الناس بين ذل انتحار صامت، ومراكب الموت المكتظة بالهاربين من جحيم الحروب والتنكيل؟

ولكن، أليس عيباً أن ننكر فضل «الحكماء» الذين قبضوا بيد على بلايين «البزنس»، وباليد الأخرى على خيوط لعبة «الفتنة».

ولماذا لا نصدّق مَنْ يخاف على لبنان من عدوى «ربيع عربي» متأخر، فلا يملك إلا أن يسأل مَنْ يقف وراء تحرُّك الناشطين في قلب بيروت؟

ولماذا لا يعطون فرصة لحوار أقطاب السياسة، لعله ينجح في إجهاض «فتنة» مطوّرة، يديرها مَنْ في الخارج لتخريب «النعيم» اللبناني؟

أي حوار بين مَنْ يملك القوة وأوراق السياسة، ومَنْ يجد نفسه مرغماً على التعايش معه، في انتظار مصير لا يأتي، وهو يقدّم التنازلات لحماية لبنان، فيما اللبنانيون لا يجدون من يحميهم؟

أكبر رصيد للطبقة التي يصارعها جيل الشباب، هو ورقة الطائفية تلوّح بها كلما عكّر مشاريعها مَنْ لا يدركون شروط اللعبة.

جولة حوار منقّح؟ لمَ لا، أشواط طويلة على الطريق، فلننتظر نتائج الاتفاق النووي مع إيران، ونختبر قدرة كيم جونغ أون على الصمود والتصدي في مواجهة الإمبريالية، وقدرة بوتين على تيئيس الشعب السوري… ولا ننسى بالطبع نصيحة أوباما بالتبصّر بعواقب تغيُّر المناخ.

«إنهم يتفقون علينا»… قالها أحد المتظاهرين الذين زكّمت أنوفهم روائح النفايات والصفقات والفساد الذي يتطاول ضمن الخطوط الحمر للطائفية. وإن كانت هذه أقوى من إرادة البرلمان، فلماذا لا يغتالها جيل انتفاضة آب؟