Site icon IMLebanon

رسالة إسرائيلية للبنان: لا رغبة لتل أبيب بالحرب

طوال الفترة التي نفّذت فيها إسرائيل مناورة «السهم الأزرق» بحسب تسميتها العسكرية، كان «حزب الله» في حالة استنفار قصوى لكل قطاعاته العسكرية في لبنان. وعلى رغم استبعاده الحرب، إلّا أنه كان يتمعّن بمشهد مكثّف من مناورات الحدّ الأقصى السياسي والعسكري الذي تقوم به إسرائيل، سواءٌ على الساحة الدولية أو الإقليمية وحتى في ميدان تدريب جيشها للحرب المقبلة التي وضعت لها عنوان «هزيمة حزب الله».

ما كان لافتاً لـ«حزب الله» أنّ تشكيلة القوات التي شاركت في مناورة «السهم الازرق»، تتّسم بزخم عسكري يجعلها بحجم «مناورة إقليمية»، ويمكن تسميتها بحسب رؤية الحزب لها بأنها «مناورة الفيالق» العسكرية. ومن منظار عسكري، فإنّ هذا النوع من المناورات تعتمده الدول في سياق بذل الجهود اللازمة ضمن الاستعدادات المتقدّمة لشنّ حرب.

كما كان لافتاً أنّ تركيبة الوفد الإسرائيلي الذي شكّلته اسرائيل لينفّذ مهمّة أضخم مناورة سياسية منذ عدة عقود، والذي ذهب الى واشنطن وتالياً مع بنيامين نتنياهو الى موسكو، تشكّلت من غالبية أعضاء الحلقة الضيقة التي تتّخذ قرارَ الحرب في إسرائيل، والمسمّاة «الكابنيت» (اللجنة المصغّرة).

وفي القراءة الأوّلية ظهر أنّ مناورة الفيالق الاقليمية، مضافة إليها مناورة ديبلوماسية وفد الكابنيت، تقصدّت إسرائيل تصميمَهما في وقت واحد لتوجّه الى أكثر من اتجاه رسالة إسرائيلية توحي أنّ تل ابيب توجّه إنذاراً الى دول القرار العالمي بأنها ستبادر الى العمل بنحوٍ منفرد إذا لم يستجب العرّابون الدوليون لحلّ الأزمة في سوريا لمطلبها بإبعاد إيران و«الحزب» عن حدودها في سوريا.

وتلا هذه الخطوات، شنّ إسرائيل غارة على موقع قرب بلدة مصياف السورية، مع تقصّد إبراز تحليلات إسرائيلية لخلفيّاتها تؤكد أنها ليست غارةً روتينية، بل لها صلةٌ بقرع طبول الحرب الإسرائيلية في هذه المرحلة.

ومن بين ثنايا كل هذا الضجيج عن قرع طبول الحرب أو التهديد بها، خطت إسرائيل خطوةً في الاتّجاه المعاكس، تمثّلت بتوجيه رسالة الى لبنان عبر قناة تابعة للأمم المتحدة، (يعتقد أنها قيادة قوات «اليونيفيل» في الناقورة)، أعلمته فيها أنها «لا ترغب في الحرب ضد لبنان».

وكان واضحاً أنّ إسرائيل تتقصّد إيصالَ هذه الرسالة بنحوٍ غير مباشر الى «حزب الله»، الذي كانت تراقب ايضاً حركة استنفاره غيرالمسبوق على الجانب اللبناني وراء خط الـ1701، وذلك في مقابل مناورة «السهم الأزرق» الإسرائيلية غير المسبوقة في المنطقة الحدودية الفلسطينية المحتلّة مع لبنان وسوريا.

رسالةُ التطمين الإسرائيلية كان لها تفسيران لدى الجهات التي راقبت مسارَ التصعيد الإسرائيلي الجاري على الحدود مع لبنان وسوريا، وأيضاً عبر غارة مصياف وتالياً عبر خرق جدار الصوت في سماء مدينة صيدا:

ـ التفسير الأول، إمكانية أن تكون «خديعة استراتيجية» تريد إسرائيل من خلالها تكرارَ الخديعة الشهيرة نفسها التي مارستها ضد «حماس» عام 2007، حيث سرّبت آنذاك لمصر رسالة تطمين رسمية بأنها لن تشنّ حرباً ضد قطاع غزة، وستتجاوز حالة التصعيد التي كانت حينها سائدة بين الجيش الإسرائيلي و«حماس»، ما جعل الأخيرة تدخل حالة استرخاء، وتقرّر عدمَ إلغاء الاحتفال بتخريج دفعة متخرّجي كلية الشرطة، الأمر الذي استغلّته إسرائيل ودشّنت حربها على غزة ذاك العام، بقصف الاحتفال ما أدّى الى مقتل العشرات من قادة «حماس» الذين كانوا يحضرونه.

ـ التفسير الثاني، إعتبر أنّ إسرائيل جادة في رسالة التطمين التي أرسلتها، وهدفها منها تحرير مناوراتها السياسية والعسكرية ذات الحدّ الأقصى التي تطلقها في هذه الفترة، من خطر أن تتسبّب بنشوبِ حربٍ تفرضها حساباتٌ خاطئة في تقدير «حزب الله» للموقف الميداني والنيات الإسرائيلية.

وجاء الخرقُ الضخم لجدار الصوت الذي نفّذته طائرةٌ إسرائيلية في سماء صيدا والتي كانت سبقتها رسالةُ التطمين الإسرائيلية لبيروت، دليلاً على أنّ كل ما تريده تل أبيب، هو إظهار أكبر مقدار من الضجيج العسكري، المصحوب بمقدارٍ كافٍ وغير معلن من إجراءات «صيانة سياسية» مطمئنة للحزب تحول دون الانزلاق الى حربٍ غير محسوبة.

وداخل الكواليس التي تابعت مسارَ التوتر الصامت والمرتفع الوتيرة بين إسرائيل والحزب، يتمّ تسجيلُ ملاحظة أنّ جبهة الحدود الإسرائيلية ـ اللبنانية مرّت خلال الأسبابيع الثلاثة الاخيرة في حالٍ حرجة، وذلك نتيجة العوامل الآتية:

ـ أولاً، أنّ المناورة الإسرائيلية الاضخم والمحدَّد عنوانها بـ«هزيمة حزب الله»، تزامنت مع توجّهاتٍ في الأمم المتحدة مدعومة أميركيا لتغيير قواعد الاشتباك في عمل قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان، وكذلك تزامنت أيضاً مع زيارة مفاجِئة لوفدٍ من المحكمة الدولية الى لبنان برئاسة المدّعي العام فيها، للتمهيد لإصدار قرارٍ ظنّي جديد يدين «حزب الله»، خلال الاسبايع المقبلة.

وسبب تلاحق هذه المعطيات بخلق تقدير أوّلي للموقف لدى الحزب يشي بأنه قد يكون هناك اتّجاهٌ دولي لقطع الطريق على وصول الحزب للحظة جني مكاسب استراتيجية سيحصّلها نتيجة ظهور ملامح تؤشر لفوز محوره في سوريا، وربما كان سيناريو الحرب ضده في لبنان أحد أدواته.

ـ ثانياً، لدى تحليل رسالة التطمين الإسرائيلية للحزب عبر لبنان وقناة تابعة للامم المتحدة، كان يمكن لحظ أنّ هذه الخطوة ليست الاولى من نوعها خلال الفترة التي تلت حرب 2006، فخلال آب 2010، وإثر الصدام الذي وقع بين الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي عند بلدة العديسة في ما عرف بـ«قضية الشجرة»، كانت إسرائيل هي المبادرة لطلب وقف النار، ووافق الجيش اللبناني عليه.

وانذاك قدّمت إسرائيل الطلب تحت عنوان «وقف نار لسحب جرحى الجيش الإسرائيلي». وجرى اكثر من مرة خلال السنوات السابقة أن أرسلت اسرائيل عبر قوات «اليونيفيل» لبيروت رسائل تطمين بأنها لا تسعى لنشوب حرب، وخصوصاً إثر حالات إطلاق صواريخ من أراض لبنانية الى الداخل الإسرائيلي، حيث كانت إسرائيل تردّ بوجبة قذائف تتبعها برسالة لبيروت مفادها أنّ ردّها انتهى عند هذا الحدّ.

غير أنّ رسالة إسرائيل التطمينية الأخيرة للبنان، تعامل الحزب معها بكثير من الريبة والحذر، لأنّ الظروف السياسية والعسكرية التي وصلت في ظلّها، كانت تحتّم على الحزب التعامل معها بأعلى درجات اليقظة وباتّخاذ أكثر من تدابير الحذر التي شمل تطبيقها إلغاء خطوة للسيد نصرالله كان يعتزم بموجبها الظهور مباشرة وليس عبر شاشة التلفاز العملاقة في مهرجان «التحرير الثاني» في بعلبك.