Site icon IMLebanon

إيحاء إسرائيلي بالمواجهة: لازمة تصعيد أم إفراط بالتهويل؟

 

 

جهدت إسرائيل في الأيام القليلة الماضية، وأمس تحديداً، كي تظهر اقتدارها العسكري في مواجهة حزب الله وقوس حلفائه الإقليميين. جهد لافت ومفرط، يفرض تفسيرات متطرفة، منها ما يتعلق بافتراض نيات إسرائيل في الارتقاء في عدوانيّتها، وتكرار محاولة تجاوز قواعد الاشتباك، من جديد. فالمسألة هنا تتعلق بتصريحات ومواقف وتقارير عبرية بالجملة، وصلت أمس إلى حد لافت جداً، ومن المفيد عرض جزء منها، على كثرتها:

 

ــــ استعراض عديد حزب الله: زاد عدد مقاتلي حزب الله من ألفين في تسعينيات القرن الماضي إلى ما يزيد على 45 ألفاً باتوا منتشرين حالياً في مواجهة إسرائيل بعد إنهاء المهمّة في سوريا (من تقرير في «يديعوت أحرونوت»).

ــــ تقدير الوضع في الجيش الإسرائيلي يشير إلى أن إيران وسوريا وحزب الله طوّروا قدرات وقلّصوا فجوات في مقابل إسرائيل، رغم كل جهود الكبح الإسرائيلية (من تقرير آخر في «يديعوت أحرونوت»).

ــــ كوماندوس حزب الله على الحدود: عادوا إلى الحدود مع إسرائيل، وهم مسلّحون بعنصر المفاجأة بعد خمس سنوات من استهلاك معظم قوة وجهود حزب الله هناك (سوريا). تقديرات الجيش الإسرائيلي تشير إلى رغبة حزب الله وإيران في تحدّي إسرائيل، لكن من دون التدحرج إلى حرب واسعة النطاق. إلا أن الخشية من زيادة فرصة الحسابات الخاطئة، وسوء التقدير الذي يفضي إلى إساءة فهم «عتبة الحرب» الخاصة بالمنافس. يمكن حزب الله (والأمر يتعلق أيضاً بإسرائيل) أن يبدأ باستفزاز ما، هو في رأيه لا يبرر نشوب حرب، لكن إسرائيل قد تفكر بشكل مختلف وتتفاعل بقوة، ما يقرّب الجانبين من الحرب نفسها (من تقرير في «هآرتس»).

ــــ سلاح حزب الله الدقيق… عامل تفجير: مصدر آخر للخطر يتمثل في «مشروع الدقة» لدى حزب الله. إذ تقول إسرائيل إنها حتى الآن أحبطت معظم التحركات الإيرانية لتحسين دقة صواريخ حزب الله. وقد تم ذلك بمهاجمة قوافل تهريب الأسلحة في سوريا، إلى جانب الضغط الشعبي الذي أدى إلى إخلاء مواقع إنتاج الصواريخ وتحديثها في لبنان. لكن إيران لم تتخلّ عن هذا النشاط، لذا فمن المتوقع عاجلاً أو آجلاً حدوث صدام مع إسرائيل، بسبب خطوط إنتاج جديدة في لبنان (من تقرير في «هآرتس»).

ــــ تدريبات إسرائيلية في قبرص… ضدّ حزب الله: في الخارج، تتدرب الوحدات الخاصة على قتال حزب الله. والحديث هنا عن مقاتلي الكوماندوس الذين انطلقوا إلى قبرص بواسطة المروحيات ليهبطوا في منطقة جبلية تحاكي الجنوب اللبناني. أغارت القوات بشكل مفاجئ واحتلت مواقع ودمرت أهدافاً وتعاملت مع فرضيات عدة، من بينها خطف (أسر) جنود (من تقرير في «إسرائيل هايوم»). تضيف «اسرائيل اليوم» إنها واحد من التدريبات والمحاكاة التي يخوضها الجيش الإسرائيلي استعداداً لأي تطوّر على الساحة الشمالية في مواجهة حزب الله. فرئيس الأركان الحالي، أفيف كوخافي، مثل سلفه غادي آيزنكوت، «يرى أن الساحة الشمالية هي التحدّي الرئيسي للجيش الإسرائيلي. وهذا يعني أنه في جميع البرامج التدريبية، نتحدث عن لبنان ونفكر في لبنان ونتصرف كأننا في لبنان، كي لا تتكرر حالة لا حول ولا قوة، كما كانت الحال عام 2006». في خلاصة التقرير، الطويل جداً عن التدريبات في قبرص استعداداً للحرب ضد لبنان، يرد الآتي: «كان من الصعب عدم التأثر بتأقلم القوات مع التحدي. الواضح أن هناك عملاً تحضيرياً جاداً استعداداً للحرب المقبلة. لدى الجيش الإسرائيلي الآن، أداة متاحة وفعّالة ومميتة، قادرة على اكتشاف العدو وتدميره.

ــــ الضربة الوقائية: … بالطبع لدى حزب الله في لبنان القدرة على إطلاق أكثر من 1000 صاروخ وقذيفة صاروخية في اليوم ضد أهدافٍ إسرائيلية. وإذا كان التقدير العسكري هو أن حزب الله سيهاجم إسرائيل، فسوف يكون على الجيش التفكير بشن ضربة وقائية ضد حزب الله وضرب ترسانته الصاروخية البعيدة المدى، على فرض أن الاستخبارات الإسرائيلية تعرف أين يتم تخزينها، وذلك في نفس الوقت الذي يتم فيه شن هجوم ضد إيران. على الأقل بهذه الطريقة، إذا اندلعت حرب مع حزب الله، فإن إسرائيل ستحدّ من قدرته على إلحاق الضرر بها (من تقرير في «جيروزاليم بوست»).

ــــ تجربة صاروخية إسرائيلية: إن لم ينجح سلاح الجو. على خلفية التوترات مع إيران، نفذت إسرائيل تجربة على منظومة صاروخية متطورة، صباح اليوم (امس). وإذا كانت التجربة مقررة مسبقاً، لكن لا يمكن تجاهل توقيتها في فترة التوتر مع إيران التي وصلت إلى الذروة، إذ إن إسرائيل تتوقع أن تتلقى ضربة إيرانية بواسطة صواريخ كروز وطائرات مسيّرة مفخخة، من العراق أو سوريا أو اليمن (من تقرير في «إسرائيل هايوم»).

 

الإعلام العبري كان وسيبقى وسيلة قتالية في حرب لا تهدأ بين إسرائيل وأعدائها

 

 

ــــ التجربة الصاروخية إشارة ردع لإيران؟ يميل الجيش الإسرائيلي عادة إلى توضيح الغرض من التجارب التي ينفذها، إلا أنه اختار هذا الصباح الحفاظ على الغموض، إزاء تجربة إطلاق صاروخ أرض ــــ أرض، والمعنى أنها محاولة إرسال رسالة تهديد إلى طهران، ولردع أعداء إسرائيل (من تقرير القناة 13). وبحسب تقرير آخر في القناة 12، يبدو أن التجربة تضمّنت ما تحتاج إليه إسرائيل في هذه المرحلة، أي إطالة المدى وتحسين الدقة، كي تكون جاهزة لشن هجمات بشكل دقيق لمسافات بعيدة.

ــــ نفتالي بينيت: الظرف مؤاتٍ لعملية واسعة. فعالية «المعركة بين الحروب» باتت موضع شك. جزء كبير من المعركة ركّز على منع تهريب الأسلحة. مع ذلك، تقلّصت إلى حدّ ما حرية إسرائيل في التصرف شمالاً، لأنه مع انتهاء الحرب في سوريا، هناك مزيد من الاحتكاك مع مصالح الدول الأخرى. تشعر روسيا بالقلق من خطر الهجمات الإسرائيلية على قواتها في سوريا، وتحاول إيران إنشاء معادلة جديدة للانتقام من كل ضربة إسرائيلية، والنظام السوري مصمّم على الرد على كل قصف في الأراضي السورية. وزير الأمن نفتالي بينيت يعتقد أن العكس هو الصحيح. في رأيه، لدى إسرائيل الآن فرصة لتصعيد الهجمات، والسعي بقوة لإزالة كل الوجود العسكري الإيراني من سوريا (من تقرير في «هآرتس»).

إضافة إلى تقارير كثيرة أخرى ملأت الإعلام العبري أمس وتضيق المساحة هنا لعرضها، يبدو أن الرسائل الإسرائيلية متعددة وإن كان هدفها واحداً: ردع الأعداء، الأمر الذي يثير بدوره أسئلة تتعلق بالأسباب التي تدفع إسرائيل، فجأة وبشكل مفرط، إلى طلب ردع الأعداء؟ في ذلك، يشار إلى الآتي:

يتعذر تفسير «عجقة» التقارير العبرية عن حزب الله وإيران والحرب المقبلة والجبهات المتلازمة معها جنوباً وشمالا وشرقاً، مع الإفراط في التشديد على الإمكانات والاقتدار الإسرائيليين، على أنها مهنية إعلامية فرضت نفسها، وخاصة أن الحديث ممكن عن إعلام إسرائيلي «حر» و«منفتح» و«خلّاق»، في كل شيء… إلا ما يتعلق بالتهديدات المصنّفة أمنية، التي تتطلب رقابة ذاتية مشددة جداً، وفي حالات، رقابة مسبقة صارمة، وهي حقيقة لم تعد موضع جدال لدى المتابعين. فالإعلام العبري في هذه الدائرة تحديداً، كان وسيبقى وسيلة قتالية في حرب لا تهدأ بين إسرائيل وأعدائها. حقيقة هذا الإعلام، أي كونه موجّهاً في الشأن الأمني، وأن تُنشر كتلة تقارير مكثفة وبعدد لافت مع تكرار مضامينها وكأنها مستنسخة بعضها من البعض الآخر، هذه الحقيقة تجعل من المتعذر أن يكون ما شهدته وسائل الإعلام العبرية مجرد رسالة ردع وقائية اعتيادية.

من الواضح أن إسرائيل متوثّبة لتلقّي ردّ من أعدائها تخشى تبعاته وتطوّره إلى حدّ لا تريده. أما غير الواضح، فهو إن كان الرد سيأتي نتيجة اعتداءات إسرائيلية سابقة، وأن توقيته جاء في سياقات التطورات الإقليمية والهجمة على إيران وحصارها، وكذلك الهجمة على حزب الله ومحاولة حصاره، أو نتيجة اعتداءات إسرائيلية مقبلة هي في دائرة النيات وباتت قريبة من التنفيذ، وترى تل أبيب أنها تستدعي بذاتها ردوداً واسعة من أكثر من ساحة إقليمية.

في الوقت نفسه، يشهد تاريخ التصعيد في السنوات القليلة الماضية، وسياقات «المعركة بين الحروب»، والتهديدات بأشكالها المختلفة، أن الأمور كادت أو أريد لها أن تظهر، بأنها كانت على وشك الانفجار، مع كثير من تهديدات مباشرة وغير مباشرة، معلنة وغير معلنة، لتعود وتهدأ لاحقاً بعد تبيّن انكسار المحاولة الإسرائيلية. فهل الوضع الحالي في السياق نفسه، أم أنه يحمل فرضيات متطرفة؟