يحق للجميع التساؤل عن جدارة النظام التعليمي ما قبل الجامعي ونقد هيكل الامتحانات الرسمية في لبنان، وهو أمر جائز في كل أنظمة التعليم في العالم، لكن من غير الجائز التشكيك المطلق بالمنظومة التعليمية وبالشهادة الرسمية وطرق التصحيح وأداء المعلمين واللجان التي تتولى هذه العملية. جاء التشكيك العلني وأكثر من ذلك، من رأس الهرم، أي من وزير التربية الياس بوصعب، في لقاء تلفزيوني، ليقول إن هناك مشكلة في وزارة التربية، ولا يمكن بعض الممارسات ان تستمر فيها، خصوصاً في الامتحانات الرسمية، حتى أن البعض سألوا أنفسهم عن الشهادة الثانوية التي يحملونها، وهل نجحوا بجدارتهم؟ لكن سرعان ما أعادوا عكس السؤال، فهل منح الإفادات يجعل من حامليها تلامذة غير كفوئين؟ وهل إعادة تصحيح المسابقات والتدقيق بنحو ألف طلب في الدورة الثانية يجعل الشهادة نقية وبعيدة من التشكيك؟ ثم ما هي الممارسات الحقيقية التي جعلت المصححين مكسر عصا، بينما المشكلة التربوية هي أعمق من ذلك بكثير؟
ليست الأسئلة موجهة الى وزير التربية، ولا تشكيك في كلامه عن وجود ممارسات فساد في الوزارة، الى مشكلات خطيرة في إجراء الإمتحانات الرسمية وفي التصحيح، إنما في تعيين مكمن المشكلة، وتحديد التوجه لحلها من زاوية جزئية ضيقة، تجعل موضوع الفساد، على سبيل المثال، مقتصراً على موظف أو سمسار، أو حلقة صغيرة ضيقة مستفيدة، بينما هذا الملف هو اشمل وأكبر، يبدأ بالتعاقد ولا ينتهي بالمناقلات وتعيينات المديرين وغير ذلك من إصدار المعاملات، الى التزوير، ثم غض النظر عن المخالفات والتدخل السياسي وتسوياته في بعض ملفات الوزارة، وأخيراً موضوع الشهادة الرسمية والامتحانات الذي لا يحل بتأليف فريق يخرج بتقرير عن المسؤوليات، فيما المشكلة في مكان آخر.
ولعل الشهادة الرسمية اليوم ليست في أحسن أحوالها. والإمتحانات الرسمية أيضاً ليست في أفضل أحوالها. لكن يجب القول أن تعيين المشكلة هو المدخل لحل مستدام، عبر طريق الإصلاح الشامل في الوزارة، فكيف نطلق أحكاماً قبل أن نشرع في تقويم تربوي تشارك فيه المكونات التربوية والتعليمية كلها، وتحدد من خلاله خريطة طريق لحل المشكلات؟ ثم إعادة الاعتبار للعملية التربوية من مدخلها الصحيح. فالتصدي للخلل في الامتحانات الرسمية لا جدوى منه، ما لم نقلب معادلة النقاش، من تحت الى فوق، أي من طريقة التعليم أولاً، وليس إطلاق الأحكام عن نتائج ندرك جميعاً أن الأساتذة لا يتحملون وحدهم مسؤولية ما آلت اليه أمورها. أما التركيز على خلل التصحيح، فهو أمر ثانوي. وفي مكافحة الفساد، يعرف الجميع ان هناك مدارس تبيع إفادات لتلامذتها، وهناك سماسرة للطوابع ولتخليص المعاملات. فهل من شيء آخر؟