Site icon IMLebanon

«برودة» رسمية تجاه المقترحات الإيرانية

 

هل تشبه جولة لاريجاني زيارة خاتمي في التسعينيات؟

 

 

كانت الزيارة الرسمية الخارجية الأخيرة لرئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، عندما حطّ في بيروت قبل أيام بعد مروره في دمشق قادماً اليها من بغداد، مقدما مقترحات إقتصادية للتعاون مع لبنان.

 

في لقاءاته مع المسؤولين المحليين، سمع هؤلاء عروضات عديدة لتعاون إيراني مع لبنان في مجالات متعددة أهمها في ملف الكهرباء، وفي مجال القطاع الزراعي عبر فتح الاسواق الايرانية أمام المنتجات اللبنانية، إضافة الى شؤون أخرى تجارية وغازية ونفطية وفي ملف الدواء الهام جدا.

 

هي ليست المرة الاولى التي تعرض فيها طهران «مساعدتها»، إذ سبق ذلك عروضات منها العسكري قبل سنوات، الذي لم يكن لبنان قادرا على قبوله نتيجة وقوع إيران تحت العقوبات الدولية العسكرية وحظر السلاح منذ ذلك الحين والذي ينتهي العام الحالي، حسب زوار العاصمة الإيرانية الذين يشددون على أن لاريجاني لم يقدم إلتزامات معيّنة واكتفى بالاقتراحات التي تهم لبنان «الذي يتعرض للضغوط وتتفهم إيران ظروفه».

 

«خفة» في التعاطي

 

يعي المسؤولون الإيرانيون ولاريجاني منهم، صعوبة استجابة لبنان لما يُطرح من قبلهم، برغم أن رئيس مجلس الشورى الايراني جاء بتسهيلات كبيرة تفيد الاقتصاد اللبناني الذي يتدحرج نحو وضع كارثي.

 

والواقع أن لا طاقة للبنان على تحمل تبعات تعاونه مع إيران على هذه الأصعدة، حتى لو أراد ذلك، ويشير المتابعون لزيارة لاريجاني الى «خفة» طبعت الردود اللبنانية على الطروحات الايرانية، التي سرعان ما وضعها اللبنانيون في الاطار السياسي وضمن تجاذبات اللعبة الاقليمية والدولية.

 

ولعل الموقف اللبناني لن يتغير برغم اختلاف شخصية رئيس الحكومة الحالية حسان دياب عن سلفه سعد الحريري على رأس «حكومة اللون الواحد» التي تبدو مغايرة لسابقاتها. ذلك أن لبنان يمر في مرحلة حساسة، ويسعى جاهدا نحو مساعدات غربية مع الحفاظ على تلك الأميركية في ظل أكثر الادارات خصومة لا بل عداوة لإيران.

 

التجربة العراقية

 

والحال أن طهران تواجه عقوبات أميركية قاسية ما قد يضع الجهة التي تتعامل معها في موقع المعادي للولايات المتحدة الاميركية، وسيعتبر لبنان مرتمياً في حضن المحور الإيراني.

 

لكن المتابعين للموقف الإيراني يقولون إن لبنان كان قادرا على التعامل بإيجابية أكثر مع العروضات الايرانية، ليحاكي التجربة العراقية التي تفهمتها واشنطن التي كانت ستبدي الموقف نفسه، أو على الاقل لم تكن لترفض حصول لبنان على إغراءات وتسهيلات إستثنائية يمكن للإيرانيين تقديمها، وهو الموقف الذي سيسقط نفسه على الجهات الدولية الأخرى، ريثما يقوم لبنان بالنهوض مجددا من أزمته الاقتصادية عبر خطوات مدروسة من بينها الشروع بجدية في العمل على كنزه النفطي والغازي الكامن.

 

ربما لا يجب على الإيرانيين توقع غير الرد اللبناني البارد عليهم، على الرغم من حاجة لبنان الماسّة للمساعدات، وهو ربما ما أشار اليه قول لاريجاني خلال تقديمه العروض الايرانية حين دعا الى انتظار أن يقبل اللبنانيون بها.

 

لكن الأولوية اليوم بالنسبة الى لبنان تتجه نحو «الخارج الآخر» الغربي والخليجي الذي على البلد الانتظار قليلاً قبل اتضاح صورة مقاربته للواقع الحكومي، لا سيما الموقف السعودي ومعه الاماراتي من أي انفتاح لبناني جاد عليهما يُترجم ماديا.

 

لذا، فقد استمع دياب مليّاً الى الطروحات الايرانية، قبل وضعها بهدوء في الدرج، ولما لا، التلويح بها أمام أي برودة غربية وخليجية لمساعدة لبنان المتأزم؟

 

دعم لـ«الدولة»

 

في موازاة ذلك، تحدث البعض عن دلالات لزيارة لاريجاني تشبه تلك التي أتت بها زيارة المرشح للانتخابات الرئاسية الايرانية في التسعينيات محمد خاتمي الذي افتتح حملته الانتخابية من لبنان.

 

لكن الظروف لا تبدو متشابهة اليوم، ويدعو مطلعون على الموقف الايراني الى عدم التسرع في ذلك برغم أن لاريجاني يعد بارزاً في السباق الرئاسي المقبل الذي يتبقى عليه سنة وأربعة أشهر.

 

يضع هؤلاء الزيارة في إطار جولة إقليمية موحدة بدأت في بغداد ومرّت في دمشق وصولا الى بيروت. بمعنى آخر، «هي جولة على الحلفاء» لكن مع إبداء أهمية كبرى لأهمية الدولة الوطنية في كل بلد، وهو ما شدد عليه لاريجاني في لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين.

 

هو باختصار، «تأكيد على البعد الرسمي مع تشديد على دعم المقاومة في تلك البلاد». وبما ان الأمر كذلك، فيجب وضع الزيارة في إطار «السياسة» والظروف التي استجدت على المنطقة بعد الاغتيال الاميركي لقائد فيلق القدس قاسم سليماني.

 

ولعل لبنان لن يكون قادرا على الافتكاك من هذا التنازع الغربي الايراني عليه قبل جلاء العلاقة الصعبة التي تزداد توترا بين واشنطن وطهران، وهي العلاقة التي لن تشوبها الايجابية قريبا، أقله قبل الانتخابات الاميركية المقبلة في تشرين الثاني من العام الحالي.

 

ويرى زوار العاصمة الايرانية أن الضغوط الغربية لن تسمح بعلاقة متطورة بين لبنان وإيران كون الولايات المتحدة الاميركية لا زالت تعمل على عزلهما عن بعضهما البعض وإثارة الذعر من حزب الله، «في ظل علمها بأنه تأقلم مع عقوباتها الاقتصادية».

 

من جهتها، تستمر طهران «في دعم محورها اللبناني من دون الالتفات الى المصلحة اللبنانية»، حسب الرؤية المُواجهة للسياسة الايرانية في لبنان كما في المنطقة، والتي ترى أنه يمكن اختصار مغزى زيارة لاريجاني بتوصيفه لـ»حزب الله» بـ»الرأس المال الكبير للبنان» لتسأل: ماذا قدم لاريجاني فعليا في زيارته؟

 

والواقع أن لبنان الذي وجد نفسه واقعاً بين مطرقة الأميركيين وسندان الإيرانيين، أخرج نفسه من هذا الحرج الذي يعيه الإيرانيون الذين سيراهنون على مستقبل أفضل للعلاقة.. في ظروف أفضل!