دولة الرئيس،
تداعيات استشهاد الرئيس رفيق الحريري أظهرت بوضوح أنّ مُنفّذ الجريمة لم يُصب الشهيد بشخصه فحسب، بل أهلك البلد برمّته، فالتداعيات على لبنان جليّةٌ وتتجسّد في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتتابعة التي تُثقِل كاهل المواطن اللبناني. وأصبحت هناك حاجة ماسّة في لبنان إلى إرادة سياسية ترتقي بمؤسسات الدولة وتُخرج الملفات الحياتية الأساسية من خضمّ التجاذبات المناطقية والمذهبية، فتوفّر بذلك المُناخ المناسب لبناء وطن نهائي لجميع أبنائه.
من منطلق مسؤوليتي الاخلاقية والوطنية والمهنية، ومسؤولية كل لبناني غيور على وطنه، أن أضع بتصرّفكم قناعاتي التي بنيتها على خبرتي العمليّة في مجال الإدارة والاستراتيجية في القطاعين الخاص والعام.
مصلحتكم الرئيسة ومصلحة لبنان يا دولة الرئيس، هي في إنتاج بيان وزاري حقيقي، وليس مجرد بيان لغوي إنشائي، يرقى الى طموحات الشعب في حدود حاجاته المُلحّة ويعبّر عن الممكن فعله في مختلف المجالات العامة، خصوصاً في ما يتعلق بتعزيز المؤسسات الرسمية اللبنانية، وتطبيق خطط تهتم بالنواحي الاجتماعية والبيئية، وتطبيق رؤية اقتصادية تأخذ بالتزامات لبنان في مؤتمر «سيدر»، وأي خطط أو مؤتمرات إنمائية أخرى، ودعم الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الرسمية في مهمتهم لحفظ الامن والأمان، والالتزام بعودة النازحين السوريين بوتيرة أسرع وأعداد أكبر الى بلدهم.
ومن المهمّ جداً أنْ تكون بنود البيان الوزاري قابلة للترجمة عبر خارطة عمل اقتصادية واجتماعية شاملة ومهيّأة للتطبيق وتتضمّن حلولاً واقعية ومستدامة تُحصّن لبنان بوجه التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي ما عاد من الممكن التأخير في معالجتها. لاسيما أنّه يتوجّب على الدولة اللبنانية استكمال الاصلاحات المطلوبة منها لكي تستطيع الاستفادة من محصلات مؤتمر «سيدر» التي يؤمل أنْ تُعيد عجلة النمو الاقتصادي الى الدوران. والأهم هو تحقيق إنجازات مؤثرة وسريعة تعيد ثقة الشعب اللبناني بدولته واقتصاده وأمنه.
كما أنّ هناك حاجة مُلحّة لتفعيل التنمية والإصلاح والتطوير الإداري، حيث إنّها نتاج العديد من العمليات طويلة الأجل، والتي تنجم عن التخطيط السليم يتبعه تطبيق الآليات الإدارية الحديثة وتنفيذ الخطط بعناية. من هنا ضرورة إنشاء وزارة قائمة بحد ذاتها تُعنى بالتصميم والتخطيط (وليس وزارة دولة لشؤون التخطيط) وخاصة الخطط الطويلة الأجل، وضمان تطويرها واستمراريتها، بحيث لا نبدأ كل مرّة من الصفر مع كل وزير يستلم حقيبته الوزارية، مع تأسيس هيئة مختصّة بشؤون التصميم والتخطيط تُشكّل من القطاعين العام والخاص وتقترح جميع الامور التي يحتاج اليها الوطن. وهذه قناعة بنيتها على خبرتي العمليّة أثناء عملي مستشاراً لوزارة التنمية الإدارية واتضح لي كم أن مفهوم الدولة للتنمية والادارة، وكذلك العاملين فيها، بدائي وبعيد جداً عن الحداثة والتقنيات في شؤون وضع وتطبيق الخطط.
إضافة إلى التخطيط والتنفيذ السليم، على الدولة اللبنانية تفعيل المساءلة والمحاسبة حالاً لمنع الانحطاط ومكافحة الفساد، وذلك عبر تمكين المُكوّن القضائي من ممارسة استقلاليته التامّة، مع تمكين حكم القانون. فكلّما تشدّد القضاء في أحكامه على الفاسدين، كلما اقتربنا من نموذج وطن حقيقي، الأمر الذي سيؤدي الى عودة ثقة المواطن والمستثمر بالدولة تدريجياً.
المطلوب قبل أي شيء يا دولة الرئيس، هو دخول الأفرقاء السياسيين الحكومة بروحية جديدة وتضامن وتعاون وتنسيق لكي تتمكّن من تحقيق انجازات فعلية مؤثرة وسريعة في أشهرها الأولى، فالناس في حاجة ماسّة إلى صدمات إيجابية، وفسحة من الأمل.
مع التقدير والمودّة.