يوفّر تأكيد الامين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي انه لن يترشح لولاية جديدة، لدى انتهاء ولايته الحالية في اول تموز ـ يوليو المقبل، فرصة امام هذه المؤسسة العربية.
هل جامعة الدول العربية قادرة على تجديد نفسها وايجاد دور لها ام لا؟ هذا هو السؤال المطروح الذي يتجاوز القرار الذي اتخذه نبيل العربي، وهو قرار يعكس الى حدّ كبير حالا من اليأس تعاني منها هذه المؤسسة العربية.
بكلام واضح، لا يمكن لهذه المؤسسة الاستمرار في ظلّ الازمة العميقة التي تعاني منها. لا يمكنها في ايّ شكل تجديد نفسها في غياب الاعتراف بان ازمتها وجودية وان ليس طبيعيا التعاطي مع موضوع اختيار امين عام جديد كمسألة روتينية او ادارية. اكثر من ذلك، لم تعد المسألة مسألة اختيار امين عام جديد، من المهمّ ان يكون مصريا لا اكثر!
من شروط استمرار جامعة الدول العربية البحث جدّيا في ما اذا كان في الامكان اعادة الحياة اليها في منطقة تغيّر كلّ شيء فيها من جهة وفي وقت لم تعد هناك دول قادرة على ان تكون ما كانت عليه في الماضي من جهة اخرى.
على سبيل المثال وليس الحصر، كيف يمكن لوزير الخارجية اللبناني جبران باسيل ان يكون شيئا آخر غير وزير خارجية لبنان، اي ان يكون وزيرا للخارجية الايرانية في لقاء عربي. من يسمع كلام باسيل يكتشف الى ايّ حد لم يعد لبنان ذلك البلد الذي عرفناه.
هذا لا يعني ان صوت ايران يجب الا يكون مسموعا، خصوصا ان ايران دولة كبيرة لها نفوذها في المنطقة. لكنّ من غير الطبيعي تحوّل لبنان الى مستعمرة ايرانية بكلّ ما في كلمة مستعمرة من معنى. كان الموقف السليم يقضي بدعوة مسؤول ايراني لعرض وجهة نظره في اجتماع لمجلس الجامعة على اي مستوى كان بدل ان تجتمع الدول العربية وان يخرج صوت ايران عبر لبنان الذي رفض ادانة الاعتداء على سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد…
يشير الواقع المتمثّل في انّ دولة عربية صارت صوت ايران في اطار جامعة الدول العربية الى عمق التحولات التي شهدتها المنطقة، خصوصا منذ العام 2003، عندما شنّت ادارة جورج بوش الابن حربها على العراق بدعم ايراني مباشر وغير مباشر.
كان سقوط العراق بداية زلزال ما زالت تردداته تتفاعل حتّى اليوم. في قمّة شرم الشيخ التي انعقدت في آذار ـ مارس 2003، عشية بدء الحملة العسكرية الاميركية في العراق، تلهى معظم الحاضرين بالبحث في كيفية تفادي الحرب، علما ان جميعهم كانوا مقتنعين بانّ الحرب صارت امرا واقعا.
كان الصوت الاماراتي الصوت العاقل، شبه الوحيد وقتذاك. سعت دولة الامارات العربية المتّحدة في اثناء القمّة الى البحث في مرحلة ما بعد الحرب وما سيتوجب على المجموعة العربية عمله في العراق، كما اقترحت استقبال صدّام حسين وعائلته بعد تخليه عن السلطة بموجب شروط معيّنة.
لم يكن هناك من يريد الاستماع الى المنطق. وجدت الامانة العامة للجامعة كلّ الوسائل التي تسمح باخفاء الاقتراح الاماراتي، وصولا الى خروج القمّة بقرارات لا علاقة لها من قريب او بعيد بالواقع. هل من يستطيع القول اليوم ما هو الآن العراق العضو المؤسس لجامعة الدول العربية؟
منذ ترك هوشيار زيباري، وهو كردي، موقع وزير الخارجية العراقي، لم يعد العراق في السرب العربي. كان الكردي العراقي قادرا اكثر من غيره على التعبير عن دور العراق في اطار جامعة الدول العربية. وهذا يعكس ايجابية كبيرة واهمية للدور الذي كان يمكن ان يلعبه الاكراد على صعيد ايجاد توازن داخلي في بلد عربي مهمّ طغت فيه المذهبية وصار يُدار مباشرة من طهران.
فشلت جامعة الدول العربية على كلّ الصعد. فشلت في العراق اوّلا وفي سوريا واليمن. هناك عجز عربي يتفاقم بشكل يومي. لم تستطع جامعة الدول العربية ايجاد حلّ لايّ مشكلة مطروحة، خصوصا في سوريا التي هي ايضا عضو مؤسس للجامعة.
هل المطلوب الاعلان رسميا عن نهاية جامعة الدول العربية التي لم تستطع يوما اتخاذ قرار واضح يساعد الفلسطينيين على استعادة الوحدة الوطنية ومساعدتهم في التحلي بالواقعية السياسية، عندما كان ذلك اكثر من ضرورة؟
من الباكر الاعلان عن افلاس جامعة الدول العربية كلّيا. لكنّ ذلك لا يمنع باي شكل البحث منذ الآن عن صيغة جديدة للجامعة تشمل طريقة التصويت على القرارات بما يمكن الجامعة من اتخاذ مواقف واضحة من الازمات المطروحة.
لا تتحمّل المرحلة الراهنة التسويات التي لا مضمون لها والكلام الذي يصدر عن هذا البلد او ذاك. لا مكان للحلول الوسط البعيدة عن الميوعة. يُفترض في «عاصفة الحزم» التي كانت قرارا عربيا واضحا بمنع سقوط اليمن تحت الهيمنة الايرانية ان تنسحب على جامعة الدول العربية ايضا. ليس معقولا ان تستمرّ الامور على حالها. ما كان يصلح للعام 1945، لم يعد يصلح للعام 2016. تغيّر كلّ شيء في الشرق الاوسط. اضافة الى ذلك، ان الخليج مهدّد بشكل يومي بعدما تبيّن ان الدواعش الشيعية لا تقلّ خطورة عن «داعش» السنّية وان الحرب الشيعية ـ السنّية دائرة على قدم وساق في المنطقة، خصوصا ان الاستثمار في الغرائز المذهبية جزء لا يتجزّأ من المشروع التوسّعي الايراني.
لم يعد هناك مفرّ من مؤسسة جامعة الدول عربية تسمّي الأشياء بأسمائها، تماما كما حصل لدى التعاطي مع الازمة اليمنية. في نهاية المطاف، هل جامعة الدول العربية تريد ان تكون في قلب الاحداث ام على هامشها؟ هل يعتقد العرب، او ما بقي منهم، ان لديهم دورا في المنطقة ام ان القرار فيها للدول المحيطة بها مثل ايران وتركيا واسرائيل؟
يبقى سؤال في غاية البساطة: من هي الجهة القادرة على تجديد الجامعة؟ الثابت ان على مجلس التعاون لدول الخليج العربية لعب دوره. انّه التجربة الوحيدة شبه الناجحة، وهو تجربة قديمة اذا اخذنا في الاعتبار انّه تاسس في العام 1981.
من الطبيعي البحث في الاستفادة من تجربة مجلس التعاون والسعي الى تعميمها. فالقرار بالتدخل في اليمن اتخذ على الرغم من تحفظ سلطنة عُمان. لكنّه اتخذ وبدأ التنفيذ لحظة اتخاذ القرار. اضافة الى ذلك، ليس المجلس اسير دولة معيّنة، فالأمين العام يمكن ان يكون من احدى الدول الاعضاء، وهو بحريني الآن.
هل من امل في تجديد جامعة الدول العربية… ام ان الاحداث تجاوزت هذه المؤسسة التي لم تعد قادرة على ان تقول لمن يتجاوز كلّ الاعراف المتبّعة ان كفى تعني كفى.