الفتاة السورية المجهولة الاسم عالقة عند الحدود اليونانية – المقدونية بانتظار توحيد الموقف الأوروبي من استقبال اللاجئين، ووطن الفتاة ينتظر بدوره تجربة أولى لوقف النار بدءاً من بعد غد السبت، ستليها تجارب. ففي أحوال مماثلة (في حرب لبنان وغيرها من الحروب الداخلية)، تفشل قرارات وقف النار كلياً ثم جزئياً، إلى أن تنجح لدى شعور المحاربين الصغار بوطأة الإرادات الكبرى وتصميمها.
الإرادات هذه تتمركز في الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، الشريكين الرئيسيين في المجموعة الدولية لدعم سورية واللذين يحترمان “الدور الأساسي للأمم المتحدة”.
في نص اتفاق الهدنة، تتكرر الإشارات الى “الرئيسين المشاركين” لإبلاغ من يعنيه الأمر بأن الاتفاق وضع كي ينفّذ، وإن تطلّب الأمر صبراً سياسياً يصل إلى ضرب المخالف بيد من حديد.
ويُجمع المنصفون على أن المسؤولية عن مأساة الشعب السوري غير المسبوقة يتحمّلها النظام بسياسته الرعناء، والمعارضة بخفتها، بل بجهلها أحياناً المجتمع السوري والمؤثّرات المعقّدة التي تتحكّم بتحركات هذا الشعب العفوية وتلك المخطط لها.
أعلنت “هيئة التفاوض العليا” تجاوبها مع الجهود الدولية “للتوصل الى اتفاق هدنة وفق وساطة دولية وبموجب ضوابط أممية”، وقالت إن التجاوب هو نتيجة حوارات أجراها منسق الهيئة رياض حجاب، “مع فصائل المعارضة في كل الجبهات”. إذا صحّ ذلك، فهو مفاجأة سارة بعدما شعر معظم المراقبين بأن قيادات المعارضة في مكان والمسلحين على الأرض في مكان آخر. بهذه الحوارات التي يُفترض أن تتواصل يتجلّى التعاون، ولنقل الاتحاد، بين السياسي والمقاتل الميداني في الثورة السورية. وبذلك يعبُر السوريون سريعاً نحو حل سياسي تساهم في إنجازه معارضة فاعلة في المفاوضات. لقد انقضت مرحلة الشعارات التعبوية وحان وقت الوقائع، تلك التي سيتلمّسها الجميع، سوريين ومعنيين بالشأن السوري ومتدخّلين فيه. وأبرز الوقائع هو مدى اندراج جماعات الإسلام السياسي المسلّح في التفاوض للوصول إلى حل سياسي، يضم بالضرورة خصوماً أيديولوجيين لهذه الجماعات. لقد علت أصوات كثيرة اعتراضاً على حضور مندوبَيْ “جيش الإسلام” و “أحرار الشام”، محمد علوش ومحمد العبود، مؤتمر “جنيف 3″، والفصيلان متهمان بالإرهاب وفق وقائع يذكرها المعترضون. لكن، يمكن النظر إلى حضور المندوبين من زاوية أن الإسلام السياسي المتطرف، والمقاتل على الأرض، بدأ يعترف بضرورة الحل السياسي، وصولاً إلى إعلان علوش (كبير المفاوضين) قبوله بدولة مدنية تعدُّدية في سورية المستقبل. يقول المعترضون أن الرجل في قرارة نفسه لا يعتقد ذلك. لكن، لنا المظهر، والأمل بأن الممارسة السياسية مع المواطن الآخر المختلف تدفع الإسلامي المتطرف إلى مواقف أكثر تسامحاً وأقل تعصُّباً وعناداً.
لقد فشل الإسلام السياسي في مصر نتيجة تصرفات الرئيس محمد مرسي البدائية البعيدة من السياسة، كما يبدو الرئيس رجب طيب أردوغان، صاحب التجربة الناجحة في الحكم باسم الإسلام السياسي، مهدداً بالفشل، خصوصاً حين يعجز عن حل مشكلة المواطنين الأكراد في بلده المتطور حضارياً.
لنقل إنها فرصة للإسلام السياسي السوري قد تجعله متقدماً على أقرانه، حين ينجح في المشاركة بتأسيس سورية مدنية مع أطياف الشعب كلها، وقد يتم له النجاح إذا استجاب للمصلحة السورية العليا وتعلّم من أخطاء محمد مرسي و “إخوانه”… ووضع نصائح أردوغان في غربال النقد لكونها تحمل الكثير من المزالق.
آلام السوريين العظيمة تستحق مثل هذا النجاح.